محمد منصور
لا أدري بما يمكن وصف ذلك التعامل البائس مع مأساة حادثة قطار أسيوط - على كافة الأصعدة..!
نرى من ناحية أصحاب التبريرات والدفاعات عن الرئيس ورئيس الوزراء بخصوص تلك الكارثة وإلقائهم المسؤلية على النظام السابق.! ونرى في المقابل أصحاب الإدعاءات، التي تطفو من آن لآخر، بأن الحادثة دليل على إن "المشكلة لم تكن في النظام السابق أو الحكومة، بل في الشعب نفسه"..!! ما هذه الإنحيازات والإفتراءات الباهتة على هذا الشعب المسكين؟ ألا يكفي ما هو فيه من غم..!
بخصوص الفريق المدافع بأن هذه هي التركة الخربة التي ورثناها من عهد مبارك، وأن فترة الأربعة شهور ليست كافية لإصلاح هيئة سكك حديد مصر حتى يمكن منع أو تجنب مثل ذلك الحادث المروع. هذا الرأي مردود، على أدني تقدر من الناحية العملية..
قرأت مؤخرا أن مصر بها ما يزيد عن 1300 مزلقان سكة حديد في جميع أنحاء الجمهورية. كم من الوقت (والمآسي) يحتاج وزير المواصلات، الذي إختارته الحكومة (المفترض أنها تمثل الثورة..!) حتى يشكل لجان فنية من المتخصصين في هندسة النقل والمواصلات (وما أكثرهم)، تقوم بزيارة كل مواقع سكك الحديد الخطرة في جميع أنحاء البلاد لتقييم حالة كل تقاطع وتحديد الحالات التي يلزم تغييرها فورا وإستبدالها بالمانع الآلي؟ مدة عمل تلك اللجان لن يستغرق أكثر من شهر، وعدد الحالات المتهالكة التي تستدعي الإصلاح الفوري لن يزيد عن المائة؛ وحتى إن كان أضعاف ذلك، فلن يستغرق إصلاحها وتجديديها أكثر من شهر آخر.. الأدهى أن التقارير الفنية عن الحالات المتهالكة والخطرة قد يكون موجود فعلا لدى الوزارة والهيئة منذ شهور في الأدراج وعلى الرفوف تنظر من المسئول أن يقوم بعمله..!! حتى من ناحية التكاليف، لا يتصور أن تزيد تكلفة تركيب آلية المزلقان الجديد عن 100,000 دولار.. أي بإفتراض أنه يلزم تغيير ربع مزلقانات سكك حديد مصر فلن يكلف الأمر برمته 30 مليون دولار فقط لا غير، وفي مدة لا تزيد عن ثلاثة شهور على أقصى تقدير. ألا تستحق حياة مواطنينا ذلك من المسئولين؟
والسؤال: هل منذ تسلمت الحكومة الجديدة مهامها، هل قامت وزارة المواصلات بالشروع فورا في علاج ذلك الأمر الذي يهدد سلامة وحياة الناس - بل سلامة وحياة أغلى وأعز من نملك على تراب أرضنا، أبنائنا وبناتنا الصغار، كالأطفال المساكين في حافلة أسيوط، الذين صدموا بلا رحمة، وأهلكوا وقطعوا أشلاء بكل قسوة على قضبان وعجلات وصفائح الحديد، التي لو نطقت، لقالت يا ليتني لم أخلق حتى لا يقتل بي أكثر من في الأرض رقة ووداعة وبراءة.!؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل..
..قس على ذلك مرافق الدولة الأخرى - خاصة فيما يتعلق بخدمات الفقراء الذين هم غالبية الشعب - هل قام كل وزير في كل مجال من مجالات الدولة الأساسية (الصحة، البيئة، الموارد المائية، الإسكان، التعليم،.. إلخ) هل قام بالمبادرة الواجبة عليه بالتصدي للحالات الخطرة التي تهدد أمن وسلامة وصحة وحياة المواطنين ومعالجتها وإصلاحها فورا..؟ لا أدري..! ولكن في الغالب لا؛ لأن الأولويات ليست ههنا - ليست من أجل بني آدم الذين كرمهم الله تعالى وحملهم في البر والبحر - الأولويات تائهة..
أما بخصوص الفريق الثاني الذي يريد إعفاء النظام السابق وحكوماته مما وصلنا إليه من تدني ومأسي ومهانة، وينسبون ذلك كله لعيب ما في الشعب..(!!) ما بكم..؟ أنسيتم الكم الرهيب من حوادث القطارات والعبارات والطرقات والعمارات والإنهيارات، التي حدثت في الماضي القريب؟ هل نسيتم ثلاثين (أو ستين) سنة متواصلة من التدهور المستمر في كل الخدمات العامة، حتى لم يعد هناك أي إدراك لمعنى كلمة "الخدمات العامة"..؛ المعنى المتبقي هو: التدهورات العامة، أو المهلكات العامة، أو الإهانات العامة، أو الإنحطاطات العامة.. سمها كما شئت..!
كيف بكم تلومون المحكومين ولا تلومون الحكام؟ كيف تلومون العامة ولا تلومون الخاصة أصحاب القرار؟ كيف تلومون المأمورين ولا تلومون الأمراء؟ كيف تلومون الركاب ولا تلومون الساقة؟ كيف تلومون المهمشين ولا تلومون الممكنين؟ كيف تلومون المهمَلين ولا تلومون المهمِلين؟ كيف تلومون العاجزين ولا تلومون القادرين؟ كيف تلومون السائلين ولا تلومون المسئولين؟ كيف تلومون الرعية ولا تلومون الرعاة؟ كيف..!؟
الشعب ليس هو القائد، وإن كان هو المسئول عن إختيار القائد (كما في الدول المتفوقة).. ولكن كم مرة في تاريخ مصر إختار الشعب حكامه؟ الشائع أنه ولا مرة، حتى كانت تلك "الثورة"..!! قد لا يعرف شعب كيف يختار قادته لقلة خبرته؛ وقد يأخذ الوقت من شعب قرونا كي يتعلم كيف يختار قادته، وقد يأخذ من شعب آخر عقودا، وقد يأخذ من ثالث أقل من ذلك أو أكثر..! وهناك شعوب كانت ضحايا لقيادات تعمل على حرمان شعوبها و"الإستثمار" في إضعافها وتجهيلها، ظانين أنهم بذلك يضمنون الإستمرار في السلطان.. ولكن لا دوام لسلطان إلا للخالق سبحانه.. وخير إستثمار للحاكم هو إكرام الرعية وخدمتها، وتعليمها وتهذيبها، وتدريبها وتشغيلها، وإعلاء شأنها.. وقد برع كثير من (قادات) شعوب العالم اليوم في ذلك.. فمتي يصيب شعوبنا الدور ..!؟
متي يدرك كل المتصارعون على تسلق سلم السلطة أن خدمة الشعب وإكرام آدميته هي الأولوية..؟ وإن سلطان الله كائن، بكم وبغيركم.. وبدونكم..! وإنكم لمسئولون.. ولن يشفع لكم شافع.. فتذكروا بن الخطاب.. واستعدوا للحساب.
1 comments:
Thanks to topic
إرسال تعليق