الثلاثاء، مارس 27، 2012

التأسيس والتشريع والحكم والتحكيم.. من يكتب الدستور؟

محمد منصور

لا يحتاج المواطن إلى أن يكون خبيرا قانونيا أو فقيها دستوريا كي يميز إن كان أمرا ما يتسم بالعدالة والمساواة أم لا، خاصة إن كان الأمر متعلقا بمبادئ وحقوق عامة وأساسية بديهية - (كتشكيل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور) - وليس بتفاصيل ذات صياغة قانونية معقدة لا يتقنها إلا أهل الصنعة.

لا أخفي سرا، أنني - وحتى أسابيع قليلة ماضية - كنت أتصور أن مسئولية كتابة دستور مصر الثورة ستكون ملقاة ببساطة على عاتق البرلمان المصري المنتخب، وأن تشكيل اللجنة أو الجمعية التأسيسية التي ستكتب الدستور سيأتي عادلا ومرضيا لجميع فئات الشعب بطريقة أو بأخرى، على الرغم أنني لم أكن متيقنا من كيفية ذلك..!

ولكن بعد متابعة التطورات الأخيرة في هذا الشأن إتضحت الأمور.. وصرت متعجبا صراحة من تشكيل الجمعية التأسيسية، ومن قرار مجلس الشعب (والشورى) الأخير بجعل 50% من "أعضاء" تلك الجمعية من نواب فيهما..!

ما قرأناه أن الإعلان الدستوري الشهير - المادة 60 - قد نص بأن يتولى مجلس الشعب (والشورى) "إنتخاب" تلك الجمعية التأسيسية بدون تحديد كيفية القيام بذلك..! من المفهوم إذا أن يكون لهما (بإعتبارهما السلطة التشريعية) مسئولية تشكيل تلك الجمعية من أجل الوصول إلى كتابة الدستور، ومن المفهوم كذلك أن يكون في تلك الجمعية ممثلين لمجلس الشعب (والشورى) فيها - وقطعا أن يشرفا إشرافا دقيقا على كل الخطوات لضمان نزاهة وعدالة عملية التأسيس - لكن لا أن يشكلا بمفردهما نصف أعضائها.. ففي هذا تجاوز..!

وللإيضاح: إن قرار ال(50%) ذلك يشبه مثلا أن يقرر رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب - رأس هرم السلطة التنفيذية - أن يكتب بنفسه نصف الدستور أو أن يعين بمفرده نصف أعضاء الجمعية التأسيسية، وسيكون متوقعا بطبيعة الحال أن يحاول كتابة المواد التي ستحدد وتفصل سلطاته كرئيس للجمهورية..! ويشبه كذلك أن يكون 50% من أعضاء تلك الجمعية معينين من قبل المحكمة الدستوريه العليا مثلا (السلطة القضائية)، والتي قد تحاول بدورها تعظيم سلطاتها في الدستور الجديد..!

فكيف إذا يتأتي أن يشكل أعضاء مجلس الشعب (والشورى) نصف الجمعية التي ستكتب صلاحيات الجميع بل وصلاحيات مجلسيهما في الدستور الجديد، خاصة في حالة إستمرارهما لدورة كاملة تحت مرجعية هذا الدستور الذي يكتبانه..؟ إلا "ربما" بإستثناء أن يتم حل المجلسين (أو على الأقل فصل أعضاء الجمعية التأسيسية من المجلسين) فور إعتماد الدستور الجديد مثلا، لمنعهم من التمتع بالعمل تحت ذلك الدستور لتجنب شبهة التواطؤ..!

وإلا فأين تطبيق العدل والمساواة والنزاهة في أمر مصيري كهذا - والمخالفة الصريحة لما يعرف بمبدأ " تضارب -أو تعارض- المصالح"..؟ ثم أين سيكون التوازن إن حدث وكان من ضمن أعضاء النصف الآخر لتلك الجمعية التأسيسية من لهم مصالح مشتركة مع أعضاء مجلس الشعب (والشورى)، وهو أمر وارد بطبيعة الحال..؟ فبما يمكن وصف هذا..؟ هل هذا من العدل والإسلام..!؟

ومثال آخر: إذا عين مثلا أصحاب شركة ما (تحت التأسيس) موظفا ليدير تلك الشركة، ولكنهم اكتشفوا أنه يلزم إصدار القوانين واللوائح لتلك الشركة لتنظيم العلاقات والحقوق والواجبات بينهم -قطعا- بصورة عادلة لأصحابها وللعاملين فيها وللجميع.. هل الصواب أن يجلس ذلك المدير ليكتب ويحدد تلك اللوائح والمبادئ - أو حتى نصفها - بنفسه بدافع أنه المدير، أم أن يقوم بدور المسئول عن إنجاز تلك المهمة بحيادية وعدالة كاملة كأن يختار أفضل من يكتب ويصيغ تلك القوانين - ليس فقط ممن هم أكفأ منه من أهل التخصص- بل ممن يمثلون كل الأطراف التي ستتأثر من ذلك..؟

فدواعي الصدق والأمانة والعدالة تستوجب الحيادية التامة في إنجاز تلك المهمة، لا أن يكتب هو بنفسة تبعا لفهمه ورؤيته وصفا وتحديدا لمبادئ الشركة وحقوق المالك وحقوق الموظفين والعاملين والتي من ضمنها صلاحياته هو كمدير..؟ ما الضامن أن ذلك المدير - حتى وإن كان إنسانا محل ثقة حقا - لن ينحاز في توزيع الحقوق والمسئوليات لهؤلاء ضد هؤلاء أو لجهة ضد أخرى أو لمن يعرف ضد من لا يعرف..؟ هل يعد ذلك عدلا مع الجميع..؟ هذا للأسف شكل من أشكال الإنحياز ومظهر من مظاهر عدم المصداقية - مع النفس ومع الآخرين.!

في كل المؤسسات والهيئات "والدول" الناجحة - ولدواعي العدالة والشفافية والحيادية - تكون الجهة التي تؤسس المبادئ الحاكمة، غير الجهة التي تقوم بالتشريع، غير الجهة التي تقوم بالتنفيذ، غير الجهة التي تقوم بالحكم في النزاعات - وفي كل الأحوال يكون هناك مشاركة عادلة من جميع المعنين بالأمر في عملية التأسيس.. فكيف (في الحالة المصرية) تقوم جهة واحدة من تلك الثلاث (أو "الأربع" بإعتبار عموم الشعب) بالإستئثار بنصف مهمة تأسيس المبادئ والنظام الذي سيحكم "الجميع"..!؟

الطرف الأحق في أصلح الأحوال هو صاحب الأمر، وصاحب الأمر هو الشعب الذي يطمح في العدل والمساواة. ولذلك قلنا - وقال الناس قبلنا - مرارا: أن الشعب كله لابد وأن يمثل تمثيلا عادلا، بكل طوائفه وكل تيارته الدينية وكل مدارسه الفكرية وكل مكوناته من النقابات العمالية والهيئات المختلفة، في كتابة الدستور قبل أن تقوم الأحزاب السياسية "بالتنافس الإنتخابي" فيما بينها، والذي يأتي بعد التأسيس لا قبله..

الأمر يا سادة ليس تخوينا ولا إتهاما لأحد، ولا علاقة له بمصلحة "غالبية أو أقلية" ولا "دينية أو دنيوية"، ولكن مصلحة الجميع - وإن لم نكن نعرف -(أو نرفض)- معنى "الجميع" فمصيبتنا أعمق من أن نحلها.. إن إفتراض ما قد يؤدي إلى الميل والجور والتسلط في قضية وضع الدستور هو أمر هام لدرء المفاسد ولحماية وحدة وإستقرار الدولة ولضمان العدل للجميع.. فالكل يرى نفسه شريفا وعفيفا وعادلا، ولا يثق بالآخرين مثلما يثق بنفسه، مما يدفع المرء لتقديم نفسه للمناصب، ولكن الله تعالى يقول في كتابه العزيز {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى}.. وقد نتعجب إذا عرفنا أن من الظالمين من كان في بادئ الأمر عادلا - أو موقنا من عدل نفسه - ولا يدرى أن سيتهي به الحال ظالما للآخرين، فظل يظن أنه يفعل العدل والصواب من وجه نظره، فقدم نفسة لكل عمل وبوأ نفسه لكل منصب، ولم يثق إلا في حكمه هو ولم يتبع إلى رأيه هو، حتى وصل به الأمر إلى الطغيان.! فلماذا الإستئثار وإقصاء الآخر..؟ وهل مصر "مغنما" كي نفعل بها ذلك..؟ أشركوا الجميع لتتوزع المسئولية وينتشر العدل..

وتذكروا يا "أصحاب المسئولية" مبدأ منع تضارب المصالح، ومبدأ فصل وتوازن السلطات، لضمان العدالة والنزاهة..

العدل والمساواة يرحمكم الله..

4 comments:

غير معرف يقول...

اخي الحبيب اسمح لي ان اختلف مع وجهة النظر التي تعرضها في مقالك. من يكتب الدساتير في الدول المختلفة سؤال هام لأنه لا داعي ان نعيد اختراع العجلة. من عدة اشهر ذكر د. معتز عبد الفتاح دراسة اعدت بجامعة برنستون عن الدساتير التي تم اعدادها في العفود الاخيرة وذكرت هذه الدراسة ان الغالبية من هذه الدساتير قد اعدتها برلمانات منتخبة او جمعيات تأسيسة اختارتها برلمانات منتخبة.
ان البرلمان هو سلطة تشريعية في الاساس ومخافة تضارب المصالح في هذا الحال غير منطقية والا كان هذا منطبفاً علي كل القوانين التي يصدرها البرلمان. والحكم النهائي علي الدستور هو الشعب الذي له حق الموافقة او الرفض والذي اختار هذ الطريق وفوض البرلمان كممتل للشعب في انتخاب من يراه مناسباُ لهذه اللجنة
المثال الذي ذكرته عن المدير الذي ينفذوكيف ان ينفصل عن من يسن اللوائح والقوانين مثال طيب ويوضح اهمية الفصل بين السلطة التنفيذية وهي مجلس العسكر وصناعة الدستور علي قدر الامكان وما وثيقة السلمي منا ببعيد
وهو ابلغ رد على من يهرولون الان ليرتموا في احضان العسكر.

Rasha يقول...

مقال رائع جدا يا محمد
اتفق معاك فى كل كلمه ويارب يصلح الحال ويكتبلنا الخير

Räumung wien يقول...

اللهم ولى من يصلح

Umzug Wien يقول...

Vielen Dank .. Und ich hoffe, Sie Mved Entwicklung und Schreiben von verschiedenen Themen :)