محمد منصور
الناس أحرار في أن تقاطع رجل الأعمال القبطي الثري الذي روج لرسومات كارتونية تسخر من المسلمين بعد أن شعروا بالإهانة من ذلك.. ولكن لماذا نرى حماسة منقطعة النظير في الدعوة للمقاطعة ولا نراها في الدعوة لعمل جماعي جاد لبناء مصر !؟ لماذا نجيد الإتحاد في الأمور السلبية التي تدعو إلى المقاطعة والكراهية - وإن كان لها سبب - ولا نجيد الإحتشاد في الأمور الإيجابية التي تدعو إلى التسامح والعمل - ولها ألف سبب !؟ هل هذا فهم صحيح للدين.؟ هذا لغر محير يحتاج إلى إجابة.!
إهتموا بعظائم الأمور أعزكم الله.
الحمية للدفاع عن الدين أمر هام، ولكن إظهار سماحته أمر أكثر أهمية، وخاصة في وقت يهاجم فيه الإسلام - في كل الدنيا - أشد الهجوم، ويوصف ظلما بأنه دين يأمر بالتعصب والكراهية!. علينا أن ندرك أنه كلما وقع المسلمون في فخ الإستثارة والغضب والحمية كلما "تطوعوا" ليثبتوا على أنفسهم تلك التهم الباطلة، وروجوا لتلك المفاهيم الخاطئة التي تساق ضدهم من خصومهم أنهم قوم لا يعرفون معنى التسامح ولا يستطيعون التعايش مع من يختلف معهم.!
ألم يعش المسلمون في المدينة وبها منافقون وأهل كتاب؟. ألم يتعرض المسلمون، وأولهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لشتى أشكال الأذى من المنافقين وصلت إلى حد الخوض في عرضه الشريف صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك!. فماذا فعل صلى الله عليه وسلم مع علمه بأنهم منافقين (أسوأ من أهل الكتاب)!. هل أخذته الحمية من أجل الكرامة والدين وأمر بمقاتلة من شارك في الخوض في عرضه أو بمقاطعتهم إقتصاديا.؟ لا لم يفعل..! ألم يغضب الصديق أبو بكر رضي الله عنه من قريبه الذي كان ينفق عليه (مسطح بن أثاثة) بعدما خاض مع الخائضين، فعاتبه القرآن عتابا راقيا كى لا يجعل روح الغضب والإنتقام تسيطر عليه وتمنعه من فعل الخير.؟!
وأنا هنا لا أسقط حالة مسطح بن أثاثة المسلم الفقير على الملياردير القبطي المعاصر الذي لا يحتاج إلى مساعدة مادية بأي حال، ولكن ما قصدته هو إظهار روح التسامح في التوجيه الإسلامي، والتي أراها غائبة عن كثير من أخلاقياتنا وتعاملاتنا في وقتنا هذا. فالشاهد هنا هو خلق التسامح الذي أثبت للإسلام وأهله صفات الرقي والحضارة.
وأنا هنا لا أسقط حالة مسطح بن أثاثة المسلم الفقير على الملياردير القبطي المعاصر الذي لا يحتاج إلى مساعدة مادية بأي حال، ولكن ما قصدته هو إظهار روح التسامح في التوجيه الإسلامي، والتي أراها غائبة عن كثير من أخلاقياتنا وتعاملاتنا في وقتنا هذا. فالشاهد هنا هو خلق التسامح الذي أثبت للإسلام وأهله صفات الرقي والحضارة.
إن هذا الدين لا ينتشر بالغضب والتشدد ولكن ينتشر بالتسامح وحسن الخلق، حتى في التعامل مع الإساءة.. فقد قال تعالى: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم." وقال تعالى: "ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور." وقال تعالى: "لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور."
هذه أمور قد أوصانا القرآن فيها بأخلاق السماء كما في قوله تعالى : "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما." وقوله تعالى : "والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما.".. وغيرها من الآيات الكريمة.
الخطورة من دعاوى المقاطعة تلك ليست في أضرارها الإقتصادية على رجل الأعمال إياه ولا على الإقتصاد المصري، بل تكمن في تأثير ذلك التعامل الخصامي على تزايد حدة التوتر الطائفي والتعصب الديني في مصر، فكلما كانت ردة فعل أحد الطرفين على تجاوزات الطرف الآخر إنفعالية وعقابية فلن تنتهي حالة التوتر، بل ستزداد دائرة الخلاف إتساعا.. إلا أن يوقفها العقلاء والحكماء من أهل الإيمان.. ويزداد الأمر خطورة إذا ما نظرنا إلى الأخبار التي وردت مؤخرا عن دعاوى متعصبة من بعض أقباط المهجر - تنادي بالإضرار بمصالح مصر وأهلها (مسلمين ومسيحين) - ولا تسيء إلا لهم أولا.! هذا كله نتاج الفهم المتشدد والمنفعل للدين وتعاليمه - يضر ولا ينفع.!
من الحكمة إذا أن ندرك أنه لن يفيد معرفة من بدأ بالتجاوز، ولكن سيفيد أن نرى من يبادر بالتسامح.
وأخيرا، إن رأيت أخي أن من حقك أن تغضب لدينك ولنفسك بسبب الإستهزاء بالمسلمين في صورة شخصية كرتونية "ملتحية" وأخرى "منتقبة"، فعليك أن تغضب أكثر لكل فقير من فقراء مصر لا يجد ما يأكل (وفيهم ملتحون ومنتقبات)، وعليك أن تغضب أكثر من أجل كل من يعيشون في عشوائيات خربة غير آدمية (وفيهم ملتحون ومنتقبات)، وعليك أن تغضب أكثر من كل رشوة مازلت تدفع من أناس لأناس (وفيهم ملتحون ومنتقبات)، وعليك أن تغضب أكثر من نسبة الأمية المرتفعة في مصر بين أناس (فيهم ملتحون ومنتقبات)، وعليك أن تغضب أكثر من أجل أناس تهان كرامتهم وآدميتهم في عرض الطريق كل يوم (وفيهم ملتحون ومنتقبات)، وعليك أن تغضب أكثر من أجل كل مظلوم، وكل محروم من حقوقه المدنية والإجتماعية والإنسانية (وفيهم ملتحون ومنتقبات).. والأمثلة لا تنتهي، فكل ذلك أولى أن تغضب له..
عليك أن تغضب وتهب، لا لتقاطع، ولكن لتعمل ولتغير الواقع الأليم من حولك، والذي لن ينصلح بمقاطعتك لهذا أو لذاك.. إن تصورت أن غضبتك من كارتون ساخر هو كل ما يمكن أن تقدمه لدينك ووطنك فتأكد أن أمامنا بذلك قرون حتى ننهض بأمة مصرية كانت في يوم من الأيام صاحبة دين وحضارة..
إهتموا بعظائم الأمور أعزكم الله.
1 comments:
فيهم ملتحون ومنتقبات..
إرسال تعليق