بقلم: محمد منصور
ما زال العالم ينظر إلى الثورة المصرية (والتونسية) ببالغ الإحترام والإنبهار على الرغم من حالة عدم الإستقرار التي تمر بها مصر تحديداً، وظهور بعض الصور السلبية في الأيام القليلة الماضية، تمثلت في إعتداءات متبادلة بين مسلمين وأقباط، وتدهور الجانب الأمني، ومظاهر البلطجة، وغيرها.

ويسبق نجاح الثورات عادة مراحل في غاية الخطورة من الصراع والقتال بين الثوار وجنود الحاكم المتسلط، التي قد تطول ويذهب ضحيتها الألاف من الأبرياء. وما يحدث في ليبيا الآن من صراع مرير بين قوات المقاومة الشعبية الليبية وقوات النظام القذافي أوضح دليل على ذلك - ندعو الله تعالى أن يحمي الشعب الليبي. أما في حالة مصر وتونس، والحمد لله، كان الصراع الثوري - بالرغم من خطورته - قصيراً وقليل الكلفة قياساً بالثورات الأخرى.
كان الأمر في مصر أشبه بمعجزة منها بثورة بعد أن جنب الله تعالى مصر ويلات كثيرة، فالثوار المصريون لم يكونوا بالعنف المعهود على الثائرين، ولم يقوموا بالإعتداء - إلا ما إستلزمته الضرورة للدفاع عن أنفسهم - على الرغم من الإستخدام المفرط للقوة من جانب قوات الأمن. وكان دور الجيش المصري في نجاح الثورة نموذجاً مثاليا في الولاء والإخلاص للوطن والشعب، مما جعل العالم كله يتابع الثورة المصرية السلمية بإنبهار حقيقي، ويتعاطف معها بصورة كاملة، ويدعوا إلى إحترام المصريين ومساعدتهم بكل السبل - بل والتعلم منهم - بعد أن أظهروا تحضراً كبيراً ورقياً يندر أن نراه في عالمنا.
وكان الإعلام الغربي قد دأب في العقود الأخيرة على تصوير المسلمين والعرب أنهم مجموعة من المجتمعات الهمجية ذات الطبائع العدوانية التي تستمتع بالعنف وتتعاطف مع الإرهاب، وأنها شعوب بعيدة كل البعد عن مفهوم الحضارة الإنساينة الحديثة، مستغلاً في ذلك حالة التدهور العربي والتطرف الديني فيه، فإذا بهم يفاجأون من خلال وقائع الثورة المصريه وتفاصيلها أن كل تلك المفاهيم الرائجة لديهم ما هي إلا إدعاءات ظالمة تبنتها مجموعات الضغط والتأثير المستفيدة من تشويه صورة الإسلام والعرب. فلم تشهد الثورة في مصر حالة إعتداء واحدة على رموز غير إسلامية أو أهداف غير عربية، ولم تشهد كذلك إستخدام أية شعارات معادية للغرب مثلاً؛ بل يمكن القول أن كل أعمال العنف والإعتداء والبلطجة التي حدثت أثناء الثورة وبعدها كانت من طرف هؤلاء الذين قامت الثورة ضدهم أو الذين تضرر فسادهم بسببها، وذلك بغرض الإنتقام منها، ومحاولة تشويهها، أو الإلتفاف عليها.
وإعجاباً بهذه الصورة المثالية، تناقلت الصحافة الكثير من عبارات المديح التي إنهالت على المصريين بعد ثورة 25 يناير من كل رؤساء العالم والمنظمات الدوليه تقريباً، ولكن لفتت إنتباهي مقولة لأحد مستشاري الرئيس الأمريكي في مقال له في صحيفة الواشنطن بوست قال فيه: "إن 11 سبتمبر لم يعد التاريخ الذي يعرف الإسلام للعالم؛ 25 يناير يأخذ هذا الشرف الآن". توافق هذا التعبير الرائع مع ما كان يدور بخاطري كمصري يشعر - كما يشعر أفراد الجاليات العربية والإسلامية المقيمة في الغرب - بوطأة الحملات الإعلامية الشرسة ضد الإسلام والمسلمين. فالإتهامات التي كانت تصور العالم الإسلامي على أنه مجرد بؤرة لتصدير الإرهاب والمشاكل لدول العالم قد بدأت تتلاشى بعد الثورة المصرية المبهرة، بل إن ميدان التحرير قد أصبح بؤرة جديدة في العالم تتوهج بالأمل لكل البشرية الراغبة في الحرية والعدالة والكرامة وكل تلك القيم المثاليه الغائبة عن عالمنا، وإذا بالعالم يتمنى أن ينتمي إلى ذلك الميدان المصري الذي أصبح ساحةً لصراع ايديولوجي أخلاقي يدور بين أصحاب المبادئ الإنسانية العليا وأصحاب القيم الأنانية الفاسدة.
إن الثورة المصرية كانت نقطة تحول تاريخية احتاجها العالم كله كي يتخلص من تلك الصورة الزائفة عن العالم الإسلامي، والتي أحدثت لعقود طويلة حالة غير مقبولة من العداء بين الشرق والغرب - لابد وأن تنتهي من عالمنا.
هناك موقف متنامي في المجتمع الدولي اليوم لتشجيع مصر وشعبها على التقدم للقيام بدور ريادي وحضاري ليس فقط في محيطها العربي بل في العالم كله، وهو دور يصعب أن يقوم به غير مصر. فكثيرون في العالم من كل التوجهات قد شعروا بنوع غريب من الراحة بسبب الثورة المصرية التي أثبتت التحضر الحقيقي للعرب، مسلمين ومسيحين، ورغبتهم الصادقة في العيش بحرية وكرامة، وأثبتت أيضاً ضرورة الإتجاه نحو تحقيق صورة سامية من التعايش السلمي بين الجميع لا يمكن الإستغناء عنه لقيام حضارة إنسانية معاصرة تكون مصر هي رمزها وضميرها.
بدون شك، هناك من يقف ضد الثورة المصرية الآن في الداخل والخارج، وهم إما من المنتفعين من حالة الفساد التي كانت عليها مصر، وإما من الذين لا يسعدهم تقدم مصر وتبؤها موقع الريادة الحضارية في العالم العربي والإسلامي. ولكن الثقة كبيرة في أبناء مصر المخلصين كي يحققوا آمالهم ، بعد توفيق وحماية الله تعالى لهم.
شكراً شعب مصر (وتونس). لقد رفعتم رؤوس العرب والمسلمين، وأعطيتم الأمل للعالم.
0 comments:
إرسال تعليق