الخميس، مارس 17، 2011

عن الزراعة و علوم الحياه نتحدث (1)... كانو يأكلون الفول !!

بقلم/ كريم علي موسى

فلنعتبرها مقدمة .. 
كثيراً ما إقترح علي عدد من الاصدقاء أن اكتب سلسلة من الموضوعات العلمية المبسطة و تحديدا عن الزراعة وعلوم الحياه ، خاصة وأن مجال تخصصي و دراستي في مصر و في الولايات المتحدة الأمريكية هو الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية . و الحقيقة انني برغم حماسي لذلك إلا انني كنت على يقين أن هذا النوع من الموضوعات لا يروق للكثيرين! لكنني الآن أعتقد أن هذا النوع من الموضوعات بات ملحا بعد الثورة العظيمة للشعب المصري و ما سيترتب عليها من إهتمام بالعلم و البحث العلمي بمختلف تخصصاته، حيث لا يوجد أمل لحل مشاكل مصر ولحاقها بركب الدول المتقدمة إلا بالعلم. لذلك سنحاول معا في كل لقاء أن نستكشف جانبا من جوانب العلوم الأحيائية المختلفة بما تشمله من كائنات دقيقة أو حيوانية أو نباتية . سأحاول ألا أكون مملا .. سأحاول أن أقدم المعلومة فى صورة مبسطة سهلة تدخل إلى عقلك مباشرة .

*******************
حين فكرت في أول الموضوعات التي سأبدأ بها هذه السلسلة وجدت أن أحد أهم الموضوعات المطروحة هي أزمة القمح في مصر، و أحزنتني حقيقة أن مصر أصبحت ثاني أكبر مستورد للقمح على مستوي العالم . لكنني تذكرت معلومة كنت قد قرأتها في كتاب للدكتور محمد على أحمد بعنوان (الزراعة أيام الفراعنة) أن مصر كانت المنبع الرئيسي للقمح فى العالم القديم - منذ ستة آلاف سنة تقريباً قبل ميلاد المسيح عليه السلام - وكانت تصدر ما يفيض عن احتياجاتها من القمح والشعير إلى العديد من الدول الأجنبية . لذا فقد فكرت أن يكون موضوعنا الأول عن الزراعة عند المصري القديم، كيف عرفها و كيف مارسها و كيف برع فيها.... بدايه تاريخية بالرغم من انني طيلة عمري لا أميل لدراسة التاريخ وهذا بسبب الأسلوب العقيم لعرض التاريخ فى الكتب المدرسية والذي يعتمد علي سرد الاحداث اكثر من تحليلها .. ألا تتذكر ذلك معى (الأسباب التي أدت إلى قيام الثورة العرابية 1 ، 2 ، 3 ، ... – أهم العوامل التي ساعدت على تولى محمد على حكم مصر 1 ، 2 ، 3 ، ... – نتائج الحملة الفرنسية 1 ، 2 ، 3 ... )، و لكن لا بد من لمحة تاريخية عن نشأة الزراعة، فالتاريخ كما يقولون هو مرآة الأمم ، يعكس ماضيها، ويترجم حاضرها، وتستلهم من خلاله مستقبلها . علنا نستلهم مستقبلنا المنشود بعد الثورة المباركة بعون الله تعالى.

*******************
يعتبر أهالي (مرمدة بنى سلامة) – علي بعد 51 كليو متر شمال غرب القاهرة – أول من مارس الزراعة فى العصر الحجرى الحديث على نطاق واسع وعرفوا صناعة بعض الأدوات الزراعية من الحجر كالفأس الحجرية التى استعملت فى فلاحة الأراضى وقطع الأشجار .. ثم تطورت هذه الفأس إلى أهم ابتكارات الفلاح المصرى القديم ألا وهو (المحراث).

هيا .. فلنتخيل أننا الآن فى إحدى قرى مصر الفرعونية وبالأخص فى عصر الملك (تحتمس الأول) عام 1535 ق. م .. هاهو أعظم رجال الملك (تحتمس) يتابع الفلاحين الذين يعدون الأرض للزراعة .. هل تعرفون اسمه .. إنه (باحرى) الرجل الأول فى عهد الملك (تحتمس) .. هل ترون هؤلاء الفلاحين القدماء .. هيا سنقترب منهم .. ماذا يفعلون .. أنا لا أراهم جيداً .. سنقترب منهم أكثر .. هاهم .. أنا أراهم الآن بسهولة .. إنهم يحرثون الأرض بالمحاريث التى تجرها الثيران .. هل تسمعون ما يقولون .. هاهو أحدهم يقول (إنه يوم جميل يشعر فيه الإنسان بالنسيم العليل ، والثيران تحرث ، والسماء تعمل على حسب ما ترغبه قلوبنا ، دعنا نعمل لهذا الشريف) . وهاهو فلاحاً ينادى زميلاً له يسير أمامه قائلاً : " أسرع أيها القائد إلى الأمام بالثيران .. تأمل .. إن الأمير واقف ينظر إلينا " ، أما هذا الراعى الذى يسوق الثيران أمامه فيغنى لها قالاً : " ادرسى لنفسك .. ادرسى لنفسك أيتها الثيران .. ادرسى لنفسك .. ادرسى لنفسك .. فإن التبن لعلفك .. والغلة لأسيادك .. ولا تجعلى قلوبك تخمد .. فإن الجور بارد " .

لقد تعبت حقاً من التجول فى هذه الحقول .. وأعتقد أنكم كذلك أيضاً .. حسناً .. سنستظل تحت هذه الشجرة هناك .. هل تعرفون هذه الشجرة ؟.. انها السنط ، وكان القدماء المصريين يستخدمون خشب السنط فى صناعة الأثاث والتوابيت وأدوات الفلاحة وفى صناعة السفن والقوارب ، كما استعملت أزهار السنط فى تجهيز أكاليل الموتى والثمار فى الطب والصباغة . أما (النخيل) فهو أقدم ما زرع فى مصر ، وقد عثر على بقايا جذوع نخل ترجع إلى العصر الحجرى القديم فى الواحات الخارجة . وقد استغل المصرى القديم جذوع النخيل فى تسقيف بيوته كما استخدمت جذوع النخيل كأعمدة للبناء ثم قلدوها بعد ذلك حينما بدءوا فى استخدام الحجارة فى البناء فى عهد الملك (زوسر) . واستخدم سعف النخيل فى عمل السلال والمقاطف والصنادل كما صنعت منه باقات وأكاليل جنائزية ما زالت تستخدم فى مصر حتى الآن . واعتبر البلح غذاء لعامة الشعب حتى أن كلمة (أمهات) التى تستعمل الآن بمعنى (بلح رطب) ترجع إلى الكلمة المصرية القديمة (أمت) ، كما وجدت كميات لا حصر لها من البلح والعجوى فى مقابر كثير من قدماء المصريين .

أما القمح, محصول الحبوب الرئيسى فى كل زمان وكل مكان ..فقد برع الفلاح المصرى القديم فى زراعته ولكن كيف ؟ كيف عرف الفلاح المصرى القديم محصول القمح ؟ .. تُرجع الأساطير المصرية القديمة معرفة الفلاح لزراعة القمح والشعير إلى الإله (أوزيريس) . وقد كان القمح غذاء الأثرياء فى ذلك الوقت وكان يعرف باسم (حبوب الشمال) ، أما (الذرة الرفيعة ) فكانت غذاء فقراء الفلاحين وعلفاً للطيور والحيوانات وقد عرفت باسم (حبوب الجنوب) .

المحاصيل الزيتية مثل الكتان والخروع والسمسم والقرطم من أهم المحاصيل التى اهتم المصرى القديم بزراعتها حيث كانت تُعصر البذور للحصول على الزيت بينما استخدمت مخلفات عصر البذور (الكُسب) علفاً للماشية . وقد استخدم (الكتان) لأكثر من غرض حيث حصل الفلاح القديم من بذوره على زيت استخدمه فى الإضاءة واضافه إلى (الفول المدمس) كما نفعل نحن الآن وهو ما نطلق عليه اسم (الزيت الحار).. وهل كان هناك (فول مدمس) فى عهد الفراعنة ؟ .. بالطبع .. وسنذكر ذلك بالتفصيل بعد قليل – بعدما ننتهى من الحديث عن المحاصيل الزيتية .. ممم ... ماذا كنا نقول ... نعم ... الكتان ... كانت سيقان الكتان تعطن للحصول على الألياف المستخدمة فى صناعة النسيج . أما (الخروع) فقد استخرج منه زيت استخدم فى الإضاءة وفى الأغراض الطبية كملين وفى علاج أمراض الأمعاء، وقد استخرج المصرى القديم من بذور (القرطم) زيتاً استخدمه فى علاج لدغ العقارب بينما استخدمت زهور القرطم فى صباغة الأنسجة أما بذور (السمسم) فكانت تخلط بالعجين عند صناعة الكعك كما نفعل نحن الآن ، واستعمل زيت السمسم فى الإضاءة وفى الطعام ، أما زيت (الزيتون) فلم يعرفه المصرى القديم إلا فى عصر الدولة الحديثة – ابتداء من الأسرة الثامنة عشرة (1580 ق.م) – حيث استخدم فى الإضاءة وفى الطعام وفى النواحى الطبية وخلال التحنيط ، وأيضاً فى صناعة العطور .

ها نحن قد وصلنا إلى (البروتين) فى هذا اللقاء ... والمقصود بالبروتين طبعاً هو النباتات البقولية بصفة عامة و (الفول ) و (العدس ) بصفة خاصة.. فالفول اعتبر طعاماً شعبياً منذ بداية العصر الفرعونى ، فكان يؤكل بعد طهيه بواسطة طمره فى تراب الفرن الساخن لذا عرف باسم (متمس) وحورت الكلمة إلى (مدمس) بعد ذلك (ولا أدرى حقاً هل كان حال الموظف الفرعونى القديم حينما يذهب إلى عمله بعد تناول وجبة الفول الرهيبة كحال موظف اليوم بعد تناول نفس الوجبة ... ؟!). ويشاهد فى مقبرة الوزير (رخ حى رع) وزير جنوب الوادى فى عهد الملك تحتمس الثالث (1504 – 1450 ق.م) رسومات لعاملين يهرسان بذور الفول فى هاون مصنوع من جذع شجرة ثم يصنعان من هذا المهروس عجينة تقطع على صورة فطائر صغيرة توضع على لوح خشبى ثم تسوى على النار فيما يشبه أقراص (الطعمية)، كذلك كان المصريون القدماء يطهون الفول ويسمونه (بيصورو) وهى نفسها (البيصارة) التى تؤكل الآن (إذا لم تكن قد سمعت عنها – على الأقل – فأنت فى مأزق حقيقى) !. واستخدم (العدس) أيضاً بوفرة كغذاء للمصريين القدماء وذكر أنه كان يقدم كطعام للفلاحين القدماء المشاركين فى بناء الأهرامات . أما (الترمس) فكان يؤكل بعد نقعه فى الماء وتمليحه كما نفعل الآن ، واستخدم الترمس فى كثير من الأغراض الطبية كعلاج الإمساك والسكر كما صنع منه مراهم لتليين الجلد .

وقد اهتم الفلاح المصرى القديم اهتماماً بالغاً بزراعة الخضراوات المختلفة حيث كانت غذاءاً يومياً له وما زالت كذلك حتى يومنا هذا ومن أهم هذه النباتات البصل و الثوم والكرات والكرفس والفجل واللفت والبامية والخبيزة والخيار والطماطم ... وغير ذلك . ولقد وجدت نقوش عديدة فى مقابر قدماء المصريين تدل على استخدام البصل خلال مراحل التحنيط كما وجدت لفائف البصل مع المومياوات . وكان المصريون القدماء يضعون البصل قرب أنف الشخص فاقد الوعى لتنبيهه كما يفعل فلاحوا مصر فى الريف وفى بعض المناطق الآن . كما يعتبر الثوم أحد النباتات المصرية المنشأ حيث وجد برياً فى الحقول واستخدمه المصريون القدماء كطعام وعلاج كما استخدموه فى طرد الثعابين والعقارب من المنازل بسبب رائحته النفاذة .. أما الكرات فقد استخدم فى علاج عض الحيوانات ولدغ العقارب والثعابين وفى علاج الجروح ، واستعمل الكرفس فى علاج حرقان البول و آلام المفاصل ... و .... آه ... يبدو أننى سأكتفى بذلك فى هذه اللمحة التاريخية عن الزراعة عند الفراعنة لأن مفاصلى قد بدأت تشتكى من التصاقها بالمقعد طوال هذه الفترة التى جلست أكتب فيها هذا الموضوع .. سأذهب الآن لأجرب مفعول الكرفس معى ... على أن نلتقى فى المرة القادمة بإذن الله إن كان فى العمر بقية لنلقي الضوء معا على جانب آخر من جوانب علوم الحياه،

*******************

كريم علي موسى
karemomda@yahoo.com
قسم التقنية الحيوية - كلية الزراعة - جامعة الأزهر
جامعة ماساتشوستس أمهرست - الولايات المتحدة الأمريكية
*******************

مصادر المادة العلمية
  • Ancient Egyptian Agriculture and the Origins of Horticulture by Jules Janick
  • Agriculture in Egypt from Pharaonic to Modern Times by Alan K. Bowman and Eugene Rogan
  • الزراعة أيام الفراعنة - دكتور محمد على أحمد

الثلاثاء، مارس 15، 2011

تعديلات في دستور آيل للسقوط..!

محمد منصور

يبدو أن هناك حيرة شديدة وتضارب في الآراء لدي المصريين هذه الأيام بخصوص الإستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية المقترحة، المزمع إجراؤه في غضون أيام قليلة.

التحدي الرئيسي في هذا الإستفتاء هو أن غالبية المصريين سيشاركون سياسياً ويمارسون ديمقراطيةً حقيقيةً لأول مرة في حياتهم وسط شكوك كثيرة و ترقب وخوف من أوضاع غير مستقرة في مصر والمنطقة العربية. ولذلك نجد كثيرين مدفوعين للتصويت ب"نعم" أملاً في الإستقرار وخصوصاً أن التعديلات في المواد المذكورة تمثل تقدماً كبيراً وتغييراً لم يكن يحلم به أحد، وأن الموافقة عليها قد تعني إنجاز خطوة أخرى هامة في رحلة بحث المصريين عن الدولة المدنيه الحديثة. ولكن هناك عدد آخر كبير يرفض التعديلات لأسباب عدة يتعلق معظمها بقناعتهم بعدم جواز القيام بتعديلات على دستور قديم قد حدثت فيه تشوهات وفقد شرعيته علماً أنه يرمز للنظام القديم - ناهيك عن الخلافات في تفاصيل المواد التي تم تعديلها.

الجدير بالملاحظة أيضاً هو أن معظمنا كمصريين ليس لديه أي خبرة سياسيه، ولسنا كذلك  فقهاءا في القانون الدستوري حتى نعرف بسهولة الإجابة الصحيحة؛ هل هي "موافق" أم "غير موافق" !

بالنسبة لي كمواطن عادي، دستور1971 الذي تم إقتراح التعديلات فيه هو مثل المبني المتهالك "الآيل للسقوط". وإقتراح هذه التعديلات يشبه من يحاول إقامة بعض الدعامات الإنشائية لإبقائه مسنوداً لأطول فترة ممكنة.. ! ولذلك يبدو لي بوضوح أن التعامل الأمثل مع هذا المبنى هو إتباع خطوات علمية محددة تضمن سلامة ساكنيه بعيداً عن أية عواطف. ولسنا في حاجة للتذكير بكم المباني التي إنهارت في مصر على أهلها بسبب الإهمال والتأخر في تنفيذ قرارت الإزالة - هذا إن أدركوا أو اقتنعوا أصلاً أن المبنى لابد أن يزال لخطورته على حياتهم.. ! ولكن يبدو أن هذه هي إحدى العيوب المزمنة في المجتمع المصري الذي يفكر غالباً على المدى القصير فقط وبصورة عاطفية. فإن أوصى الخبراء والمتخصصون بضرورة هدم هذا المبنى وإنشاء آخر مكانه فالأمر البديهي والعلمي أن ينفذ ذلك بدون أي تأخير، وإن قرر الخبراء أن المبني سليم، ولكن يلزمه بعض الإصلاحات والتعديلات فلا ضير.

نفس هذا الأمر ينطبق على الدستور القديم، والتعديلات المثيرة للجدل، والقرار بالقيام بإستفتاء شعبي عليها. فغالبية الشعب متفقون على أن دستور نظام الرئيس مبارك قد تشوه فعلاً - بسب تدخلات مفصلي القوانين السابقين - وإلا ما كان الشعب ليقوم بثورة..! ، فكيف بعد إدراكنا لحقيقة هذا الدستور المتهالك نقوم فيه بتعديلات، بالرغم من قيمتها، إلا أنها لا تضمن العدالة الكاملة لكل أبناء مصر، ولو لفترة مؤقتة..؟ فالواجب هو إلغاء هذا الدستور بأسرع وقت ممكن، وإنشاء دستور مصري جديد يعبر عن الثورة، ويكون متوازناً ومتكاملاً، وعلى "أسس سليمة" تضمن الحق والعدالة التامة لكل أبناء مصر بكل توجهاتهم المشروعة، وتضمن كذلك إرتفاعاً يليق بهذا الشعب وطموحه في صنع الحضارة.

إن الدستور القديم ليس فقط كالمبنى الآيل للسقوط، بل هو مثل العشوائيات المتنشرة في مصر. ومحاولة تمرير هذه التعديلات الدستورية هي كمن يستفتي الناس في إمداد شبكات الماء النظيف والكهرباء والصرف الصحي إلى مناطق عشوائية سيتم إزالتها بعد قليل..!!

لا يمكن وصف قرار الموافقة على تلك التعديلات إلا أنه خاطئ تماماً، ولا يخضع لأسس التخطيط العلمي الجاد الطامح في إنشاء دولة متحضرة متقدمة. وإن قال من سيصوتون ب"نعم" للتعديلات أنه سيكون هناك دستور مصري جديد يوضع في المستقبل، فهذا بدون شك إهدار مقنن للجهد والمال والوقت في تجميل عشوائيات زائلة. ولهذا أنا أرفض الموافقة على التعديلات الدستورية المقترحة، وعلينا أن نشرع في وضع دستور جديد لمصر الآن. إن لم نبدأ الآن في وضع الدستور الجديد.. فمتى؟ 
 
لن أخوض في تفاصيل تعديلات المواد الدستورية وذلك لأن هذا أمر منوط بأهل التخصص والخبرة، وإيضاً لأن إعتراضي كما بينت هو على تعديل الدستور القديم وليس على تفاصيل التعديلات. ولكن يلزم ذكر أشياء في غاية الأهمية:

أولاً: ما دفعني الى الإطمئنان برفض تلك التعديلات المقترحة هو ذلك العدد الكبير من الخبراء القانونين والدستورين والسياسين المصريين المحترمين الرافضين لتلك التعديلات والداعين لكتابة دستور مصري جديد..

ثانياً: المواد الحساسة في الدستور - كالمادة الثانية مثلاً - لا خوف عليها في دستور جديد حيث أن 90% من الشعب المصري يدينون بالإسلام.. !

ثالثاً: نداء لكل مصري ينوي التصويت : الرجاء.. ثم الرجاء.. ثم الرجاء؛ لا تقول "نعم" أو "لا" لتلك التعديلات الدستورية من منطلق أن ذلك يتوافق مع مصلحتك الشخصية أنت وطائفتك فقط ولا يعنيك إن ضر ذلك بمصلحة معظم الشعب؛ بل أنظر إلى ما فيه مصلحة الوطن وغالبية الشعب من الناحية الأمنية والإقتصادية، ومن ناحية العدالة، وصوت به حتي وإن كان مخالفاً لهواك.. لابد أن نتخلص من الأنانية إذا أردنا أن ننهض بمصر.

وأخيراً، لن يحزنني أبداً إن إختار الشعب "نعم" للتعديلات وأنا رافض لها إن كان ذلك ما يريده غالبية المصريين فعلاً، ولكن سيحزنني جداً إن جاءت النتيجة في غير صالح مصر، أو مخالفةً لإرادة الشعب.

بالرغم من هذا المأزق الدستوري الذي تمر به مصر وقلق أكثر المصريين من كل هذه الأوضاع، إلا أن الأمل كبير بإذن الله..

الأحد، مارس 13، 2011

معجزة ثورة مصرية غيرت مفاهيم العالم

بقلم: محمد منصور

ما زال العالم ينظر إلى الثورة المصرية (والتونسية) ببالغ الإحترام والإنبهار على الرغم من حالة عدم الإستقرار التي تمر بها مصر تحديداً، وظهور بعض الصور السلبية في الأيام القليلة الماضية، تمثلت في إعتداءات متبادلة بين مسلمين وأقباط، وتدهور الجانب الأمني، ومظاهر البلطجة، وغيرها.

سبب ذلك الإعجاب والتقدير العالمي هو أن هذه الثورة قد جاءت على خلاف ما يعتبره العالم من الأمور المسلم بها، أن ثورات الشعوب دائماً تقوم على بحور من الدماء وتترك خلفها أطلالاً من الدمار؛ فالثورات التي تهدف إلى تغيير النظم المستبدة دائماً ما تكون باهظة الثمن تضيع فيها الأرواح والأموال. والتاريخ يقول أن معظم الشعوب التي قامت بثورات كبرى كانت تقوم بمذابح ضد كل من كان ينتمي للنظم التي أسقطوها، وتقوم أيضاً بمحاكمة رؤوسها في ميادين عامة، يقف الشعب فيها لمشاهدة الحاكم يهان ثم يقتل أو يذبح أمام أعينهم وسط نظرات التشفي وصيحات التأييد !

ويسبق نجاح الثورات عادة مراحل في غاية الخطورة من الصراع والقتال بين الثوار وجنود الحاكم المتسلط، التي قد تطول ويذهب ضحيتها الألاف من الأبرياء. وما يحدث في ليبيا الآن من صراع مرير بين قوات المقاومة الشعبية الليبية وقوات النظام القذافي أوضح دليل على ذلك - ندعو الله تعالى أن يحمي الشعب الليبي. أما في حالة مصر وتونس، والحمد لله، كان الصراع الثوري - بالرغم من خطورته - قصيراً وقليل الكلفة قياساً بالثورات الأخرى.

كان الأمر في مصر أشبه بمعجزة منها بثورة بعد أن جنب الله تعالى مصر ويلات كثيرة، فالثوار المصريون لم يكونوا بالعنف المعهود على الثائرين، ولم يقوموا بالإعتداء - إلا ما إستلزمته الضرورة للدفاع عن أنفسهم - على الرغم من الإستخدام المفرط للقوة من جانب قوات الأمن. وكان دور الجيش المصري في نجاح الثورة نموذجاً مثاليا في الولاء والإخلاص للوطن والشعب، مما جعل العالم كله يتابع الثورة المصرية السلمية بإنبهار حقيقي، ويتعاطف معها بصورة كاملة، ويدعوا إلى إحترام المصريين ومساعدتهم بكل السبل - بل والتعلم منهم - بعد أن أظهروا تحضراً كبيراً ورقياً يندر أن نراه في عالمنا.

وكان الإعلام الغربي قد دأب في العقود الأخيرة على تصوير المسلمين والعرب أنهم مجموعة من المجتمعات الهمجية ذات الطبائع العدوانية التي تستمتع بالعنف وتتعاطف مع الإرهاب، وأنها شعوب بعيدة كل البعد عن مفهوم الحضارة الإنساينة الحديثة، مستغلاً في ذلك حالة التدهور العربي والتطرف الديني فيه، فإذا بهم يفاجأون من خلال وقائع الثورة المصريه وتفاصيلها أن كل تلك المفاهيم الرائجة لديهم ما هي إلا إدعاءات ظالمة تبنتها مجموعات الضغط والتأثير المستفيدة من تشويه صورة الإسلام والعرب. فلم تشهد الثورة في مصر حالة إعتداء واحدة على رموز غير إسلامية أو أهداف غير عربية، ولم تشهد كذلك إستخدام أية شعارات معادية للغرب مثلاً؛ بل يمكن القول أن كل أعمال العنف والإعتداء والبلطجة التي حدثت أثناء الثورة وبعدها كانت من طرف هؤلاء الذين قامت الثورة ضدهم أو الذين تضرر فسادهم بسببها، وذلك بغرض الإنتقام منها، ومحاولة تشويهها، أو الإلتفاف عليها.

وإعجاباً بهذه الصورة المثالية، تناقلت الصحافة الكثير من عبارات المديح التي إنهالت على المصريين بعد ثورة 25 يناير من كل رؤساء العالم والمنظمات الدوليه تقريباً، ولكن لفتت إنتباهي مقولة لأحد مستشاري الرئيس الأمريكي في مقال له في صحيفة الواشنطن بوست قال فيه: "إن 11 سبتمبر لم يعد التاريخ الذي يعرف الإسلام للعالم؛ 25 يناير يأخذ هذا الشرف الآن". توافق هذا التعبير الرائع مع ما كان يدور بخاطري كمصري يشعر - كما يشعر أفراد الجاليات العربية والإسلامية المقيمة في الغرب - بوطأة الحملات الإعلامية الشرسة ضد الإسلام والمسلمين. فالإتهامات التي كانت تصور العالم الإسلامي على أنه مجرد بؤرة لتصدير الإرهاب والمشاكل لدول العالم قد بدأت تتلاشى بعد الثورة المصرية المبهرة، بل إن ميدان التحرير قد أصبح بؤرة جديدة في العالم تتوهج بالأمل لكل البشرية الراغبة في الحرية والعدالة والكرامة وكل تلك القيم المثاليه الغائبة عن عالمنا، وإذا بالعالم يتمنى أن ينتمي إلى ذلك الميدان المصري الذي أصبح ساحةً لصراع ايديولوجي أخلاقي يدور بين أصحاب المبادئ الإنسانية العليا وأصحاب القيم الأنانية الفاسدة.

إن الثورة المصرية كانت نقطة تحول تاريخية احتاجها العالم كله كي يتخلص من تلك الصورة الزائفة عن العالم الإسلامي، والتي أحدثت لعقود طويلة حالة غير مقبولة من العداء بين الشرق والغرب - لابد وأن تنتهي من عالمنا.

هناك موقف متنامي في المجتمع الدولي اليوم لتشجيع مصر وشعبها على التقدم للقيام بدور ريادي وحضاري ليس فقط في محيطها العربي بل في العالم كله، وهو دور يصعب أن يقوم به غير مصر. فكثيرون في العالم من كل التوجهات قد شعروا بنوع غريب من الراحة بسبب الثورة المصرية التي أثبتت التحضر الحقيقي للعرب، مسلمين ومسيحين، ورغبتهم الصادقة في العيش بحرية وكرامة، وأثبتت أيضاً ضرورة الإتجاه نحو تحقيق صورة سامية من التعايش السلمي بين الجميع لا يمكن الإستغناء عنه لقيام حضارة إنسانية معاصرة تكون مصر هي رمزها وضميرها.

بدون شك، هناك من يقف ضد الثورة المصرية الآن في الداخل والخارج، وهم إما من المنتفعين من حالة الفساد التي كانت عليها مصر، وإما من الذين لا يسعدهم تقدم مصر وتبؤها موقع الريادة الحضارية في العالم العربي والإسلامي. ولكن الثقة كبيرة في أبناء مصر المخلصين كي يحققوا آمالهم ، بعد توفيق وحماية الله تعالى لهم.

شكراً شعب مصر (وتونس). لقد رفعتم رؤوس العرب والمسلمين، وأعطيتم الأمل للعالم.