إن ما حدث في مصر ما بين 25 يناير و 11 فبراير 2011 م - وحتى كتابة هذه الكلمات - لأمر تعجز مفردات قاموسي اللغوي المتواضعة عن مدحه أو وصفه. أشعر أن حجم الحدث أكبر كثيراً من أن أكتب فيه، وأن تطوراته المنفعلة والمتلاحقة أسرع من أن أمسك بخيط أفكار واحد أبدأ منه..
هل أبدأ بالحديث عن الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل وطنهم، أم عن عامة المصريين الذين تظاهروا بشجاعة..؟ هل أمدح في الشباب وبطولتهم، أم في المثقفين ووقفتهم..؟ هل أتكلم عن الملايين التي خرجت في كل ميادين ومدن ومحافظات مصر، أم عن ميدان التحرير ورمزيته في الثورة المصرية..؟ هل أتكلم عن أهداف الثورة التي تحققت والأخرى التي ينبغي أن تتحقق، أم أتكلم عن الإيام الثمانية عشر وما دار فيها..؟ هل أتكلم عن الأسباب العديدة للثورة وحتمية قيامها، أم عن الصورة المثالية والحضارية التي قامت بها..؟ هل أتكلم عن المرحلة الحالية بعد تنحي الرئيس مبارك وتساقط أجزاء نظامه تدريجياً وإمساك الجيش بزمام الأمور، أم أتكلم عن ما ينبغي أن يقوم به الشعب في المرحلة المقبلة..؟ هل أتكلم عن ما أحدثته، وتحدثه، الثورة من تأثيرات في العالم كله كحدث فريد سيخلد كأحد الأيام الفاصلة في تاريخ البشرية، أم أتكلم عن نتائج الثورة في حيزها المباشر بما يتعلق بمستقبل مصر والعالم العربي وقضايا الفساد والإستبداد فيهما..؟
أسئلة كثيرة متزاحمة ومتسارعة تجعل من الصعب جداً تناول الموضوع..
على أي حال، من المؤكد أن الثورة المصرية (والتونسية) في الشهور والسنين القادمة ستكون مادة خصبة جداً للكتاب والمفكرين، للساسة والمؤرخين، للعلماء والباحثين، للثوار والفنانين، ولغيرهم في كل أنحاء العالم كي يتناولوها بكل صور الدراسة والبحث والشرح والتحليل بما قد يغني عن محاولة تناول كل هذه الأوجه في سياقنا هذا حيث سيتكفل بذلك الكثيرون من أهل العلم والتخصص.
ما يهمني كمواطن مصري في هذه المرحلة تحديداً، وبعد نجاح الشعب في خطوته الأولى، هو: كيف يتم النجاح الكامل للثورة المصرية حتى تحقق كل أهدافها - المعروفة والغير معروفة - من أجل مصر والمصريين جميعاً؟ وأن لا تضيع تلك الفرصة الذهبية التي أهداها الله تعالى لشعب مصر في أن يصلح من نفسه وبلده ويلحق بركب الحضارة المعاصرة وباقي الأمم المتقدمة.
في الأساس قامت الثورة بسبب قسوة الإستبداد السياسي في البلد، وتفشي الفساد بصورة مخزية في كل مؤسسات الدولة ومعظم نواحي الحياة العامة، وبسبب ضياع الحقوق، وتزوير الشرعيات، وغياب الحريات، وإنتشار الفقر والأمراض والمشكلات في المجتمع المصري. وكان أمراً حتمياً أن يثور الناس. وأصبح القيام بثورة هو الأمل الأخير والبديل الوحيد أمام معظم الشعب كي يتخلصوا من المعاناة والبؤس والمهانة التي يعيشون فيها. وليس من العجيب أبداً أن يتفق ملايين المصريين في كل مكان في مصر - وبقليل من التنسيق بينهم - على هدف محدد، ويقوموا به، وهو إسقاط النظام الذي كان يجسد أسباب معاناتهم، ويرمز للفساد في وعيهم.
أظن أن الغالبية الكبرى ممن قاموا بالثورة - وربما حتى هذا اليوم - لا يدركون تحديداً ماذا عليهم فعله بعد أن نجحوا في إسقاط النظام؟ وكأنهم كانوا في سجن ضيق ومؤلم، كان الخروج منه بأي ثمن، والهروب منه لأي جهة، خير من الأسر المهين فيه.. وهنا يأتي دور المخلصين والمثقفين وذوي الخبرة من أبناء مصر كي يتقدموا الصفوف - لا ليجنوا الثمار قبل إيناعها - بل ليحموا مستقبل وطنهم، ويخططوا له، ويعملوا من أجله بكل صور إنكار الذات، وخاصةً في هذه المرحلة الخطرة.
ولذلك وجب علينا دائماً أن نتذكر أن هناك شهداء وأبرار ماتوا في هذه الثورة، في أسمى صور التضحية، من أجل مصر ومن أجلنا جميعاً. فعلى الأحياء منا الإستمرار على نفس منهج الإخلاص والتضحية الذي أشعل الثورة، حتى يتم النجاح الكامل لمصر كلها بإذن الله..
ولذلك وجب علينا دائماً أن نتذكر أن هناك شهداء وأبرار ماتوا في هذه الثورة، في أسمى صور التضحية، من أجل مصر ومن أجلنا جميعاً. فعلى الأحياء منا الإستمرار على نفس منهج الإخلاص والتضحية الذي أشعل الثورة، حتى يتم النجاح الكامل لمصر كلها بإذن الله..
وللحوار بقية إن شاء الله..
0 comments:
إرسال تعليق