الجمعة، ديسمبر 17، 2010

نحو عالم بلا أسرار

بقلم: محمد منصور

"وإذا الصحف نشرت" ! لا أدري لماذا أتذكر هذه الآية الكريمة من سورة التكوير كلما طالعتني أخبار نشر تسريبات موقع ويكيليكس الأخيرة ومدى الضجة الكبيرة التي أحدثتها في العالم خاصةً في أوساط الإعلام والسياسة الدولية! ولكن يبدو أن للحدث دلالات أخرى تذكرني بمعاني وعبر في القرآن الكريم. ومعنى الآية معلوم كما ورد في كتب التفاسير، وهو نشر صحف أعمال الإنسان وأقواله عندما يبعث للحساب يوم القيامة والتي كانت تكتب في دنياه، فيأخذ كتابه بيمينه أو بشماله أو وراء ظهره، ويرى ما قدم من خير أو شر، فيفضح من يفضح ويستر من يستر - سترنا الله وإياكم من شر هذا اليوم الرهيب.

إن الحديث عن حفظ أعمال الإنسان في صحف تكرر كثيراً في القرآن وبصور مختلفة مثل تدوين الملكين لكل ما يلفظه الإنسان من قول، كقوله تعالى: "إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" [ق: 17, 18]، في تفسير إبن كثير يقول الحسن البصري: "يابن آدم، بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك، والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك، وجعلت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرج يوم القيامة، فعند ذلك يقول: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) [الإسراء: 13، 14] ثم يقول: عدل - والله - فيك من جعلك حسيب نفسك."

بعد تدبر هذه الآيات، هل يستطيع الإنسان أن يفكر مرة - بل ألف مرة - قبل أن يفعل شيئاً أو يقول كلمه وهو لا يدري مدى ضررها اليوم، وهي قد تلقيه في النار غداً والعياذ بالله؟ فلقد ورد في حديث بلال بن الحارث المزني أن الرسول (ص) قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه. قال: فكان علقمة يقول: كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث." وصدق رسول الله (ص)، فكم من كلمة أدت إلى حروب بين الناس، وكم من كلمة أدت إلى قطيعة بين الأهل، وكم من كلمة أفزعت ونفرت الناس من الدين، وكم من كلمة أدت إلى قتلٍ ونهبٍ وظلم؟ فيا من تقولون الكلمات، إحذروا من عقابها وعاقبتها.

عودة لموضوع نشر التسريبات، لا شك أنه لا وجه للمقارنة بين معلومات مخابراتية تسرب وتنشر من أجل ترويج إعلامي وجني للربح وفضح للناس خاصةً الشخصيات الدبلوماسية والدولية وبين آيات ذكر ربانية مليئة بالعظة والرحمة والحكمة، تنبئ الإنسان بالغيب وتدعوه للإنتباه الشديد لما هو آت، ولكن قد تكون حادثة نشر تسريبات الوثائق تلك - بصرف النظر عن كل تفاصيلها - واعظاً جديداً لكل البشر في كل الدول، المتقدمة منها والمتأخرة أن كل شئٍ مكتوب وأنه في إنتظار ساعة النشر عندما يحين الوقت في الدنيا أو في الآخرة، فإن ستر الإنسان اليوم فمن يضمن أنه سوف يستر غداً أو يوم القيامة!

لقد تغير الزمان، فمن كان يستطيع أن يكذب أو يغش أو يخدع في الماضي دون أن يفتضح أمره أصبح هذا الآن أمراً غير مضمون وخاصةً في زمان أصبح فيه تسرب المعلومات وإنتقالها وإنتشارها من طرفٍ في الأرض إلى أي طرفٍ آخرٍ فيها يتم في جزء من ثانية، حتى كل الضمانات التقنية الحديثة المصممة خصيصاً لتأمين البيانات والمعلومات والأسرار الهامة أصبحت غير مضمونة بعدما رأينا تلك التسريبات الأخيرة وغيرها. قد يكتشف الباحثون والمؤرخون مثلاً أن أحد الشخصيات التاريخية من الماضي السحيق قد إرتكب جريمة ما ولكن ما يضيره هذا وقد خلا ومضى عن عالمنا، ولكن يختلف الحال كثيراً إن كانت تلك الشخصية التاريخية لا تزال على قيد الحياة !

إن عالمنا الأرضي تحول من عالم مليء بالأسرار إلى عالمٍ يكاد يخلو من الأسرار، فلابد أن ينتبه الناس أن كثيراً من خصوصياتهم ولو صغائر الأقوال والأفعال قد لا تكون أسراراً بعد اليوم، وخاصةً إن كانت لسفير أو وزير أو رئيس.

مع كل هذه المتغيرات، هل يستطيع الإنسان أن يعيش وليس لديه ما يخفيه؟

.. نسأل الله السلامة ..

السبت، ديسمبر 04، 2010

مفهوم البورتو !!

بقلم: كريم علي موسى

واحد من تلك الأحاسيس المختلفة التي قد يشعر بها المتابع لبرامج " التوك شو" المسائية هو ذلك الاحساس المستمر بالغيظ الشديد ! ليس بسبب ما تعرضه تلك البرامج من تدهور الأوضاع في مصر على مختلف المستويات فحسب، ولكن أكثر ما يثير غيظي هو ذلك الفاصل الاعلاني المستفز في أغلب الأحيان . فما أن تنتهي فقرة من فقرات تلك البرامج والتي قد تكون عن وقفة احتجاجية لبعض العمال، أو مظاهرة حاشدة لجمع من الناس لمطالبة الحكومة بمطلب ما، أو شكاوى لبعض المواطنين من تردي أحوالهم المعيشية، حتى يأتي ذلك الفاصل الاعلاني الذي غالبا ما يعرض بعض المنتجات و الخدمات المستفزة بطريقة أكثر استفزازا لفئة أخرى غير تلك الفئة التي ظهرت في فقرات البرنامج.


فالمواطن المصري في فقرات البرنامج هو على النقيض تماما للمواطن الاخر في الفاصل الاعلاني، فالاول مطحون مقهور حالته متردية يشكو كل شيء، والثاني مسرور مرتاح البال ميسور الحال راض عن كل شيء .. الأول يعاني من إرتفاع اسعار الطماطم و اللحوم و الارز و معظم السلع الغذائية، والثاني يزف البشرى للمصريين بأن سلسلة مطاعم "مستر إنترناشيونال"العالمية قد إفتتحت أول فرع لها في مصر .. الأول يشكو من عدم حصول أولاده على الكتب المدرسية ومن تنسيق القبول بالجامعات، والثاني يفتخر بنيل أولاده تعليما راقيا في مدارس وجامعات "مستر إنترناشيونال"العالمية .. الأول يصارع في صحراء مشروع "ابني بيتك" لبناء بيته الذي لن تزيد مساحته عن 75 م للمبنى و مثل هذه المساحة للحديقة - في دلالة على حرص الدولة على وجود حديقة "محندقة" للترفيه عن المواطنين حينما يضيق عليهم بيتهم "المحندق" - ، والثاني ينعم بتلك الفيلا الفخمة في كمبوند "مستر إنترناشيونال"العالمي حيث حمامات السباحة و ملاعب الجولف و كل ما يتمناه المواطن.

ما دعاني لكتابة هذه الكلمات هو ما شاهدته مؤخرا لواحدة من تلك الحملات الاعلانية المستفزة على غرار "مستر إنترناشيونال"، و التي تشيد بتشجيع الدوله و دعمها للاستثمار مما أدى إلى تحقيق قصة نجاح عظيمة لادخال مفهوم سياحي جديد إلى الحياه المصرية و هو مفهوم "البورتو" السياحي و كيف أن هذا المفهوم العبقري سيساعد على حل المشكلة الضخمة التي تمر بها مصر و التي يعاني منها المواطن المصري و هي مشكلة المتعة العائلية! فمن خلال ملاعب الجولف والحدائق المعلقة و الساونا والعديد من وسائل الترفيه المختلفة سيتم حل مشاكل المواطن المصري ولله الحمد . وعليه يجب أن يقتنع المواطن المصري أنه ليس بحاجة ماسة إلى مفاهيم مثل الديموقراطية و العدل و الحرية ولكنه في أشد الحاجة لمفاهيم أخرى مثل مفهوم "البورتو ".

الخميس، ديسمبر 02، 2010

كادت مصر أن تنطق ألماً .. فكيف بي لا أمسك قلماً !

بقلم: محمد منصور

"وما الذي جعلك تأخذ هذا الإتجاه ... ؟"، هكذا يسأل أو يتساءل العديد من أصحابي ومعارفي عن كتابتي في الشأن المصري الحالي، خصوصاً أنه لم يسبق لي الكلام في السياسية من قبل. وعلى الرغم من أن هذا التوجه يبدو لي طبيعياً ومفسراً تلقائياً كونه نابعاً من مواطن مصري يحب بلده ويهتم بها وهي على هذا الحال - بل وعلى أي حال - ولكن لا ضير من المزيد من التوضيح.

إجابتي ستكون من خلال مجموعة من الأسئلة أوجهها للناقد والمستغرب:

1- هل أنت راضي عن أوضاع مصر؟ : (تعليم فاشل، صحه منهكة، صناعة رديئة، وظائف شحيحة، أجور هزيلة، أسعار مسعورة، أغذية مسرطنة، شوارع قذرة، قمامة منتشرة، تلوث سمعي وبصري "وفؤادي"، خدمات رديئة، معاملات سيئة، عقارات منهارة، مواصلات كارثية، قطارات محترقة، حافلات منقلبة، عبارات غارقة، أخلاقيات هابطة، تدين شكلي، تعصب ديني، فصل طبقي ... فقر في الفكر، ندرة في الإبداع، ضعف في الإجتهاد ... فقراء، فوضى، إهمال، نفاق، ضعف، سلبية، سطحية، وساطه، محسوبية، رشاوي، فساد، صحافة تعبيرية، قانون طوارئ، تزوير إنتخابات، توريث مناصب ...، وكمل أنت بقى ...).

ألا يستحق ذلك أن نكتب فيه؟

2- مقارنةً بمعظم دول العالم اليوم، بل مقارنةً بما كانت عليه مصر في الماضي القريب والذي نراه في أفلام قديمة نتحسر عندما نراها، أو مقارنةً بما كانت عليه مصر في الماضي البعيد والذي نراه في آثار شامخة تعيش بيننا في ألم، لا ندري قيمتها أو كيف بناها الأقدمون، هل ترى أن مصر هكذا في مكانتها الطبيعية؟ ... من المسئول (أو المسئولون) عن تأخر مصر داخلياً وخارجياً بهذا الشكل الرهيب؟ وهل يمكن على أقل تقدير - لا تقل أن نحاسبهم - بل فقط أن نطالبهم بتحقيق العدالة والحرية والمساوة والكرامة لكل أبناء البلد؟

ألا يستحق ذلك أن نكتب فيه؟

3- لماذا يحترم السائح الأجنبي والعربي في مصر ويعامل بكل مودة ورقي أكثر من المواطن المصري نفسه؟ لماذا، وكيف يهان الإنسان المصري وتهان كرامته - يضرب، ويسب، ويشتم، ويسحل، ويقتل - في مصر (بلده) بل وفي العديد من الدول العربية (الشقيقة)، على الرغم من أنه يحترم ويقدر في الدول الغربية التي نصفها أنها "كافرة ومنحلة"؟ أليس هذا أمراً عجيباً مثيراً للشفقة؟ ألا يدفعنا ذلك أن نكتب وندعوا لرفع شأن المواطن المصري في بلده، لأن قيمة البلد من قيمة مواطنيها؟ العالم كله فهم ذلك إلا نحن؛ أسأنا إلى شعبنا، فأنقصنا من قدرنا، فأنقصنا من شأن بلادنا!

ألا يستحق ذلك أن نكتب فيه؟

4- هل يمكن أن يكون المصري الأصيل راضياً أو سعيداً بتلك الأوضاع؟... إن كنت راضياً عزيزي القارئ فلا فائدة من الحوار أصلاً، أما إن لم تكن راضياً فلماذا تنظر إلي مصر وهي تسرق وتهان وتنهار أمام عينيك دون أن تفعل شيئاً؟ إن كنت حزيناً مثلي على البلد فلابد أن يكون لك دور في إصلاحها، كل إنسان شريف لديه فرصة كي يشارك في التغيير بأي صورة جادة كالكتابة الواعية أوالتعبير عن الرأي بحرية وشجاعة أو غيرها من الوسائل السلمية القانونية، فذلك بدون شك خيرٌ من السلبية والصمت القاتلين ... وكيف يمكن لي، بعد سنوات طويلة من الإقامة في الغرب، وبعدما رأيت كيف يعامل غالبية الناس - والله حتى المجرمين - بإحترام وعدالة وكرامة وآدمية، أن أرى بلدي في هذا التأخر والمصريين الشرفاء في بلدهم في أسوأ حال ولا أهتم أو حتى أكتب تعبيراً عن رفضي لهذه الأوضاع وداعياً لتغيرها؟ هل من المعقول أن ينتمي إنسان لمصر ويرى كل هذا ثم يسكت؟

ألا يستحق ذلك أن نكتب فيه؟

5- كيف لي، بعد معرفتي بعزم الدكتور البرادعي على العمل من أجل مصر ودعوته لإصلاحها وتغيير كل تل الأحوال البائسة عن طريق تشجيعه لعامة المصرين بأن يكونوا إيجابيين ومشاركين في إصلاح بلدهم، كيف لي بعد ذلك - حتى وإن لم ينجح - أن لا أشارك بصوتي أو كتابتي، لما لا والرجل يشهد له الغريب والقريب بالنزاهة والمصداقية، بدءًا من وقوفه منفرداً ضد أمريكا رافضاً إعطائها غطاءاً شرعياً لغزو العراق، مروراً بحصوله على جائزة نوبل في السلام والتي تؤكد صدق نواياه المسلمة وطبيعته المصرية المسالمة؛ ولقد فعلها سابقاً عندما رفض منصباً رفيعاً في النظام المصري الذي لم ينجح في العقود الأخيرة في تحقيق أي من وعوده لشعب مصر، لم يرضى الرجل أن يكون جزأً من منظومة "علية القوم" التي تخدم نفسها وتهمل شعبها؛ وها هو ذا يؤكد مصداقيته مرةً أخرى برفضه الدخول في إنتخابات نيابية أبسط ما توصف به أنها "تمثيليه سخيفة" (تباع فيها الأصوات باللحمة والجنيه، مليئة بتربيط وتزوير وتسويد وشغب، تباع فيها مصلحة مصر لمن معه المال والعلاقات والبلطجية، لا يسمح فيها للشرفاء بالمشاركة ...) .. لقد أثبت الرجل مرة تلو الأخرى أنه من معدن نفيس، يثبت على مبادئه بشجاعة ولا ينحني أمام تيار الفساد وإن كان قوياً ... أتمنى أن يدرك المصريون قيمة هذا الرجل قبل فوات الأوان ... لا أدري إلى متى يهوى المصريون إغفال قيمة الكنوز التي لديهم؟

ألا يستحق ذلك أن نكتب فيه؟

أعلم أن هذه الأسئلة تثير شجوناً، ولكن الإستنتاج الحتمي منها هو أنه لا غرابة في من يشارك في التعبير عن رأيه بحرية وبصراحة رافضاً للفساد مطالباً بالإصلاح، ولكن العجب - كل العجب - في من لا يشارك بإيجابية في التغيير والإصلاح تحت أي مسمى أو بأي حجة، يقر الفساد ويكون جزءًا منه - إرادياً أو لا إرادياً.

عزيزي المصري المخلص، كن إيجابياً وشارك في إصلاح بلدك، فالأمل فيك أنت بعد الله تعالى، وإن لم تشارك اليوم فلا تبكي على مصر غداً. ولا تسألني ماذا أفعل، فالإيجابية رغبة ذاتية لا تلقن أو تعلم ...

<< الإيجابية والمشاركة السلمية هي الحل >>

وما توفيقي إلا بالله ...