الثلاثاء، يناير 31، 2012

"عذرا للأشواك .. وتبا لورود الربيع .!"

محمد منصور 

أشعر بالخوف والقلق - مثلي مثل كثير من المصريين - من متابعة المظاهرات والأحداث المتلاحقة التي تمر بها مصر هذه الأيام في ذكرى مرور عام على قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير.. وأعلم أن من المصريين من لم يعد يطيق مجرد سماع كلمة "ثوار" بل وحتى "ثورة" من شدة قلقهم على البلد وعلى حياتهم وأوضاعهم، ولا يعنيهم كثيرا إن كان السبب في ذلك هم الثوار أم من يدير الفترة الإنتقالية.. وبدؤا يكيلون لهم الإتهامات، ويلقون عليهم باللوائم من كل الأصناف والأشكال، حتى صار لسان حالهم يقول: عذرا للأشواك وتبا لورود الربيع.!

ولكن أتساءل.! هل يمكن، لكل تلك الآلاف والملايين من المتظاهرين السلميين التي خرجت تجوب شوارع وميادين مصر منادية بمطالبها المشروعة في التغير الكامل والإصلاح الشامل - وأنا هنا أستثني كل من اندس بينهم لإحداث عنف أو شغب - هل يمكن أن تكون مغيبة أو مضللة..!؟ هل يمكن أن يكونوا جميعا ظالمين لوطنهم وأهليهم، بينما من قتل المتظاهرين هم المظلومون، ومن أبطأ في محاكمة المفسدين وأساء إدارة الفترة الانتقاليه!؟ .. فأشعر صراحة أن الحق معهم ولا شئ دون ذلك.

يكفي أن تنظر إلى ما أحدثه أولئك الثائرون بثورتهم تلك من بوادر إصلاحات سياسية كبيرة في الحياة المصرية (كإنتخابات مجلس الشعب الأخيرة).. وتغيير ما كان ليتصوره أحد كي تدرك قيمة دورهم. وعلى ما في ذلك التغيير من عدم إستقرار وإحباطات وتحديات إلا إنه يمثل الأمل الذي من شأنه أن يضع مصر على طريق النهضة المنشودة بإذن الله..

إن لم يكن هؤلاء الثائرون جزأ هاما وفاعلا من الشعب بما قدموه من تضحيات، فمن هم إذا..؟

- هل هم عاطلون عن العمل، متشردون لا شغل لهم ولا مشغلة، وقد تحولوا إلى شباب وشعب ثائر..؟ إن كانوا فعلا كذلك، فهل يعد هذا خطؤهم في الأساس، أم خطأ نظام بائس تركهم ضحية للفراغ والبطالة وضياع الأحلام والحقوق الإنسانية وغياب العدالة الإجتماعية لسنوات طويلة، فوجد ذلك النظام الآن نفسه في مواجهة - وحصاد مر - لما قدمت يداه..!؟ فلنحمد الله إذا أن هؤلاء الثوار سلميون في مطالبهم ولم يكونوا على نقيض ذلك.!

- هل هم مضللون من قبل أعداء الوطن!؟ .. كيف يكون هناك مضللين بكل تلك الأعداد الغفيرة التي تموج كموج البحر الهادر الذي لا يؤثر فيه صخر ولا حجر، متمسكة بمطالب محددة، حالمة بتغيير حقيقي وكامل لبلادهم من واقع مرير إلى واقع آخر رحب ومشرق بالعدل والأمل والحرية والكرامة؟

- هل هم شباب حالم (مثالي بصورة زائدة عن المعقول..)!؟ وهل الحلم والطموح والأمل في واقع أفضل حرام..؟ و هل الإستسلام لليأس والواقع المهين لبلدهم المتأخر عن باقي دول العالم، وضياع سنوات العمر على المقاهي أو في مشاهدة مباريات الكرة أو تفاهات الأغاني والأفلام الهابطة هو الحلال..؟

- هل هم شباب متعجل للنتائج، لم يعطي الفرصة لمن أداروا البلاد بعد الثورة أن ينجزوا وعودهم!؟ قد يكون في ذلك جزء من الحقيقة.. ولكن الواقع يقول أن الأمر أكبر من ذلك. فمن ناحية: هؤلاء الثائرون قد فقدوا الثقة تماما في كل من حولهم؛ فقدوها في الأسرة، في الجيران، في أساتذتهم، في من يسمون "النخبة" سواء السياسية أم الإعلامية، وقطعا في الحكومة، ولم يجدوها إلا في ما أنجزوه هم بأيديهم وبتضحياتهم وبنزولهم الميدان وبالحشد لإيصال أصواتهم للدنيا كلها.. ومن ناحية أخرى: لا ينكر أحد سوء إدارة المرحلة الإنتقالية، وإرتداد الأمور إلا سابق عهدها، وتكرار الأحداث المفجعة التي أدمت قلوب المصريين، مما زاد من مخاوف الثوار على ثورتهم وإمكانية ضياع مكاسبها الشعبية، فاستثارهم ذلك للنزول بكثافة مرة أخرى للتأكيد على مطالبهم وعدم إستعدادهم للتنازل عنها بأي الثمن.

هؤلاء الشباب ليسوا ملائكة، ولا معصومين، ولا دائما على صواب؛ بل إن لهم أخطاء كما لكل الناس. ولكنهم يمثلون، في تصوري، أغلى ما تملكه مصر، فهم مثال نادر للشجاعة والأمل والمستقبل الباهر الذي تحتاجه مصر أكثر من أي شئ آخر.

ما لنا نبخس قيمة تلك الورود - بل الجواهر - التي تفتحت في ميادين مصر!؟ ما لنا نصفها بأسوأ الصفات ونسمها بأدنى السمات.!؟ لو كان هؤلاء الشباب في بلد آخر من دول العالم المتقدم لأقاموا لهم النصب التذكارية الشامخة في الميادين العامة كأبطال قوميين، ولقدروهم أعلى التقدير، ولأقاموا لهم الصروح والمشاريع العملاقة، ولفتحوا لهم ميادين الإبداع المختلفة كي يخرج هؤلاء الشباب طاقاتهم في ما يفيد بلادهم في كل مجال، بدأ من السياسة والريادة، مرورا بالإنتاج والعمل، وحتى الترفيه والرياضة.. فكل الأمم العاقلة تحلم وتتمنى أن يكون شبابها وأبناؤها بتلك الشجاعة، والتفاني وإنكار الذات، التي يراها الجميع رأي العين في شباب مصر (وأخواتها العربية) الثائرين. فعلى أمثال هؤلاء المخلصين من أبناء الشعوب تقام الحضارات وتحدث المعجزات.!

أتمنى أن يستجيب من ولى أمر البلاد في تلك المرحلة العصيبة إلى مطالب هذا القطاع الكبير والفعال من الشعب، بإستكمال الإصلاحات السياسية في البلاد بصورة كاملة وبأسرع وقت ممكن.. فجلها إن لم تكن كلها مشروعة ويمكن تحقيقها بمزيد من الجهد.. فهل من مستجيب.!؟

لا يعلم أحد إلا الله تعالي ما سينتهي عليه الحال.! ولكن هي كلمة نقولها، تمليها علينا ضمائرنا، ولا نملك سواها والدعاء إلى الله بالسلامة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.