الأحد، يوليو 03، 2011

تغييرا أساسيا لم يحدث بعد!


كريم علي موسى

معظم ما يحدث في مصر هذه الأيام هراء في هراء !
أول أمس كان يحتفل بعيد ميلاده الواحد و الثلاثون، لم يكن يتخيل أن يأتي هذا اليوم في أعقاب ثورة عظيمة تحدث في مصر لم يمر عليها شهور .. هو من ذلك الجيل الذي حاولو برمجته على " اخترناه اخترناه و احنا معاه لما شاء الله " .. ذلك الجيل الذي حاولوا اقناعه بأنه لولا تفضل "ماما سوزان" برعاية مشروع مكتبة الأسرة لما كان بإمكان أمثاله قراءة تلك الكتب القيمة بهذا الثمن الزهيد . لم يكن يتوقع أو يتخيل أن هذا الجيل هو من سيكون السبب في رسم الملامح الجديدة لمستقبل مصر. هو أحد المصريين الذين يدرسون الدكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية في أحد التخصصات الهامة و التي يعتقد أن مصر تحتاجها بشدة .. يتذكر كيف كانت أعصابه تحترق هو وكل المصريين بالخارج و هم يتابعون ما يحدث في مصر يوم 25 يناير وما تلاه من أيام .. يتذكر كيف تحدى استاذه الأمريكي ذو الأصل الهندي حين سأله : ما الذي تحاولون فعله في مصر بالضبط؟ نظام مثل نظام حسني مبارك لن يسقط بهذه السهولة . يومها رد عليه بثقة : بل سيسقط ! ثقة غريبة تملكته وهو يرد بهذا الرد القاطع .. كان يشعر بأن هذه الثقة كامنة ايضا في كل شباب مصر المحتشد في ميدان التحرير في ذلك الوقت. حين سقط نظام مبارك قال له أحد اصدقاءه المصريين الذين يدرسون بنفس الجامعة " أنا على أتم إستعداد للعودة إلى مصر الان و العمل بدون مقابل لتنمية البلد " و هكذا كان شعوره هو وكل المصريين بالخارج، لقد أصبحت البلد ملكا للشعب المصري . نفس الشخص في ظل النظام السابق كان يحاول جاهدا أن يظل في أمريكا أطول فترة ممكنة و بعدها كان يخطط للعمل في أي جامعة بأية دولة عربية تؤمن له الحياه الكريمة ! تغيرت خطته مائه و ثمانين درجة بمفعول الثورة السحري .

يتذكر كل هذا بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على ثورة 25 يناير وقد امتلأت نفسه بمزيج من الإحباط و السخط و خيبة الأمل بسبب ما يحدث في مصر ... كل ما يحدث في مصر هذه الأيام هراء في هراء .. هكذا يعتقد .. هو لا يشعر بأن مصر تعيش حالة ثورة .. بحث عن كلمة "ثورة" في أحد معاجم اللغة العربية و هو معجم المحيط عله يكون مخطئا في شعوره .. "الثورة : إندفاع عنيف نحو تغيير الأوضاع السياسية و الإجتماعية تغييرا أساسيا "- معجم المحيط . "إندفاع عنيف نحو تغيير الأوضاع" قد حدث ، لكن "تغييرا أساسيا" لم يحدث بعد.. هكذا يظن ! الإخوان المسلمين عملو .. السلفيين قالو .. البرادعي يصرح .. حمزاوي يقول .. العوا يعلن .. الدستور أولا .. الإنتخابات أولا .. بيان المجلس العسكري رقم .. هراء .. كل ما يحدث في مصر هذه الأيام هراء في هراء ! مباراة القمة ستتم في موعدها .. عمرو مصطفى يتحدى الثورة بأغنية " حافظ على ولاده " .. توفيق عكاشة و الماسونية .. حصريا إعلان فيلم " أنا بضيع يا وديع " ! فليذهب وديع إلى الجحيم .. ما هذا السفه؟ هل هذه حالة ثورية تعيشها مصر ؟!

" تغييرا أساسيا " لم يحدث بعد ! نفس تصريحات المسئولين .. نفس الطريقة العقيمة في إدارة الأمور .. نفس الطريقة المهينة في تعامل الشرطة مع الشعب .. يتذكر في العام الأول له بالولايات المتحدة الأمريكية حين حذره جاره الكوري من أنه قد رأى بالأمس أحد الأشخاص يحوم حول شقته و الشقة المجاورة له و أنه يمكن أن يكون لصا و نصحه بإبلاغ الشرطة .. وقتها كانت خلفية الشرطة المصرية راسخة في ذهنه ، إعتقد أن الأمر ليس بهذه الأهمية التي تستدعي إبلاغ الشرطة وازعاجها! فجاره فقط يشتبه في هذا الشخص و لكن شيئا لم يحدث ، إلا أنه قال في نفسه فلنجرب .. إتصل برقم 911 و بمنتهى الجدية استقبلت إحدى الشرطيات بلاغه عبر الهاتف و وعدته بأن أحد الضباط سيحضر إلى شقته في خلال عشر دقائق لإستكمال البلاغ ، و بالفعل جاء هذا الضابط بعد أقل من ثماني دقائق بوجه بشوش مبتسم ليسأله عن التفاصيل ، لم تكن هناك تفاصيل أصلا ! كانت كلمة "سيدي" تسبق كل سؤال من اسئلته .. استكمل الضابط باقي الإجراءت بسؤال ساكني الشقق المجاورة و معاينة المكان و ترك الكارت الخاص به للإتصال به في حالة وجود أي جديد و شكره جدا لأنه ابلغ الشرطة , و تم زيادة عدد الدوريات الراكبة في المنطقة التي يسكن بها! الموضوع تافه و لا يحتاج كل هذه المبالغة, لو كان في مصر لوضعوه في الحجز بتهمة إزعاج السلطات لكنهم هنا تعاملوا معه بمنتهى الإحترام و الجدية و المهنية .

" تغييرا أساسيا " لم يحدث بعد ! المنظومة التعليمية كما هي .. نفس طريقة التفكير التي عفا عليها الزمن .. نفس السياسات و الإستراتيجيات البالية .. نفس العقليات الكهلة .. يتذكر أول عام دراسي له في أمريكا و تلك الورقة التي وزعها عليهم الأستاذ الأمريكي في آخر محاضرة له و طلب منهم ملأها ثم تجميعها في مظروف مخصوص و طلب أن يتطوع احدهم لتسليم المظروف في سكرتارية القسم .. وقتها نظر إلى الورقة باستغراب .. كانت عبارة عن إستمارة تقييم للأستاذ المحاضر و للمادة العلمية و الإقتراحات التي يود اضافتها لتطوير المادة ! كيف يجرؤ الطالب على تقييم الأستاذ ؟! كيف يجرؤ المرؤوس على تقييم رئيسه ؟! هكذا علمه النظام السابق ، لكنه هنا تعلم شيئا آخر .. لا يوجد من هو فوق التقييم و المراقبه و المحاسبة .

" تغييرا أساسيا " لم يحدث بعد ! كلما إستمع إلى كلام من يطلق عليهم النخبة في وسائل الإعلام زاد غيظه .. يتحدثون عن أن الثورة لم يمر عليها إلا شهور و أن التغيير لا يتم بهذه السرعة التي يطالب بها الشعب و يضربون أمثلة ببلدان قامت بها ثورات و لم يشعر مواطنوها بالتغيير المطلوب إلا بعد سنوات . و لماذا لا نكون نحن من يضرب بنا المثل في سرعة التغيير ؟! اختزلت الثورة في الدستور أولا أم الإنتخابات أولا ! هناك أمورا أبسط من تعقيدات النخبة تلك و لا تحتاج لسنوات حتى يشعر بها المواطن .... هل نحتاج إلى سنوات لنحاكم الفاسدين و المفسدين ؟ هل نحتاج إلى سنوات للقضاء على البلطجية و عودة الأمن إلى الشارع ؟ هل نحتاج إلى سنوات لتبني مشروعات قومية تستغل فيها طاقة شباب ميدان التحرير ؟ هل نحتاج إلى سنوات لتنظيف الشوارع و تجملها ؟ هل نحتاج إلى سنوات لترسيخ قيمة العمل و اتقانه ؟ هل نحتاج إلى سنوات ليتولى الأصلح و الأكفأ مواقع المسؤلية ؟ هل و هل و هل ؟ الإجابة لا .. و عليه فإن " تغييرا أساسيا " لم يحدث بعد ، وأن معظم ما يحدث في مصر هذه الأيام هراء في هراء أو هكذا يعتقد هو !