الاثنين، يناير 17، 2011

أراد الشعب فاستجاب القدر

بقلم: محمد منصور 

Photo courtesy AP
 منذ أربعة شهور تقريباً كتبت مقالاً بعنوان "هل للشعب إرادة ؟" أتحسر فيه على غياب مفهوم الإرادة وحرية الرأي لدى الشعوب العربية، وأتساءل إن كان هناك فعلاً ما يسمى بالإرادة الشعبية، تاركاً الإجابة فيه - نظرياً - للشعب، وختمتها بالبيت الشهير للشاعر التونسي أبو القاسم الشابي الذي يؤكد فيه إستجابة القدر لإرادة الشعب. لم أكن أتصور وقتها أن إرادة الشعوب قد تفوق ذلك الطرح البسيط للمقال بمراحل، وأنه في أسابيع قليلة سيشهد العالم كله شعباً عربياً تولد له إرادة حقيقية أمام أعين الجميع وهو الشعب التونسي الحر، وأن هذا الشعب الشجاع سوف يتخلص من الخوف ليجيب عملياً: "نعم، للشعب إرادة"، فالقدر كان يخبئ لهذا الشعب ليس فقط أن يكون صاحب إرادة، بل وأيضاً أن يمليها على السلطة العليا في بلده كي تحقق مطالبه في الحرية والعدالة والإصلاح، وإذا برئيس البلد يفر خارج البلاد خوفاً من هذا الغضب الشعبي.

على ضوء تلك المشاعر المشتعلة من جراء ذلك الحدث الكبير، يجب أن ندعوا الله عز وجل أن يحمي تونس وأهلها من كل المخاطر المصاحبة لهذا التغيير المفاجئ، وأن تستقر البلاد ويستقر أمنها من أجل الحفاظ على أرواح الناس ومصالحهم، ونتمنى أن تلتفت النخبة المثقفة المخلصة للقيام بدورها في قيادة الشعب نحو الإستقرار والإصلاح، وأن يدرك ذلك الشعب الواعي أن الأهم من تكوين الإرادة هو خدمة الصالح العام للبلد كله وبصورة متحضرة، والحذر الشديد من خروج هذه الإرادة الوليدة عن إطارها النبيل التي بدأت به حتى لا تفسد فرحتهم، وخاصةً أن الصورة النهائية للموقف لم تتضح بعد، ولذا وجب على الكل مساندة الشعب التونسي في هذا الوقت الحرج وإن إستلزم ذلك إرسال معونات غذائية أو غيرها لسد الإحتياجات الضرورية لهذا الشعب العفيف.

أما بخصوص الحدث، فهناك شبه إجماع في المواقع الإخبارية المختلفة في تحليلاتها لثورة الشارع التونسي أنها بمثابة إنذار شديد للأنظمة السلطوية في العالم العربي، وذلك لعدة أسباب:

-  أولها أنه لم يكن هناك أية مؤشرات تنبئ بحدوث تلك الثورة الشعبية السريعة المفاجئة في تونس.

-  ثانياً أن تلك الثورة وبهذه الكيفية تعتبر دليلاً دامغاً على حالة الإحتقان الشديد والغليان التي تعاني منها معظم الشعوب العربيه بسبب الأسلوب القمعي في الحكم وتفشي الفساد في معظم جوانب الحياة، وتأخر البلاد وفقرها الشديد عن باقي دول العالم لعقود طويلة على الرغم من  ثرائها بمصادر طبيعية تكفل حياة كريمة لكل أفرادها.

-  ثالثاً أنه وللمرة الأولى في التاريخ الحديث ومنذ ثورات التحرير ضد الإستعمار يرى العرب أحد شعوبهم المقهورة وهو ينتصر بإصرار من الشارع على حاكم مستبد في حالة نادرة كانوا يسمعون عنها فقط في كتب التاريخ.

-  رابعاً أن التحول في الوصف الإعلامي للثائرين في تونس بين ليلةٍ وضحاها من "القلة المجرمة المخربة" إلى "الشعب الحر الشجاع" قد أعطى مصداقيةً للحدث حتى أن معظم الدول العربية قد صرحت رسمياً بإحترامها لإرادة الشعب التونسي، ولا يخفى على أحد أن كل تلك التطورات المثيرة قد تكون دافعاً لشعوب عربية أخرى أن تسير على نهج الشارع التونسي في المطالبة بحقوقها.

Photo courtesy AP
 إذاً بعد هذه الإنتفاضة الشجاعة للشارع التونسي، هل ستدرك الأنظمة العربية أن ما زال لديها بدائل سلمية لإنقاذ كياناتها وإصلاح بلادها، وهل ستغير من سياساتها تجاه شعوبها، وتحترم إرادتهم في التحرر من الخوف والفقر والفساد، وتستجيب لمطالبهم في الحياة، والحرية، والتعليم، والعمل، والديموقراطية، والمساواة الإجتماعية، والمشاركة السياسية، وغيرها من الحقوق، أم أن هذه الأنظمة لا تزال مصرة على قمع شعوبها والإستخفاف بهم وتكميم أفواههم حتى يحدث صداماً ثائراً تلو الأخر نتيجةً لهذا التجاهل والتعالي مما قد يؤدي إلى عواقب لا يعلمها إلا الله تعالى؟ .. هذا ما ستجيب عنه تلك الأنظمة إن تدبرت .. !

شكر وتحية خاصة من القلب للشرفاء من شعب تونس على الإجابة. "نعم، للشعب إرادة".

يقول شوقي في وصف ما فعلتم:

 وما نيل المطالب بالتمنى .. ولكن تؤخذ الدنيا غلابَ
وما استعصى على قوم منال .. إذا الإقدام كان لهم ركابَ

الاثنين، يناير 10، 2011

العصر الذهبي - The Golden Age

ألف وواحد إختراع: فيلم وثائقي باللغة الإنجليزية مع ترجمة عربية. قد تكون شاهدته من قبل، ولكن أحببت أن أضيفه للمدونة لتأكيد قيمة العلم والتقدم الحضاري التي دعا إليها الإسلام.
1001 Inventions: This is a documentary that you might have seen before, but I just wanted to post it to accentuate the value of knowledge and the progressive civilization that Islam calls for.

Part I:

Part II:

الجمعة، يناير 07، 2011

فاستوصوا بأهلها خيراً

بقلم: محمد منصور

المصريون جميعاً مطلع هذا العام في صدمة وألم وحيرة شديدة من حال الدنيا من حولهم بعد التفجير الغاشم بكنيسة القديسين بالإسكندرية، هم في حاجة إلى تفسير لما يحدث في وطنهم، وعلاج لمصابهم، وضمان لأمنهم. فهذه التفجيرات قد قتلت أبرياء لا ذنب لهم إلا أنه قد تصادف وجودهم أمام كنيستهم وقت تفجير خبيث مدمر يقتل الناس عِتيَّا ويقطع الأشلاء عِمِّيًّا بلا رحمة لإنسان أو حرمة لحياة.

مصر بلد الأديان، إستوطن في أرضها الدين وترسخ علي مر العصور، وامتزجت العقيدة بأرواح أهلها وحياتهم، وأصبح الإيمان جزءًا من كيانهم وهويتهم على ما فيهم من نواقص وعيوب كبشر، والإسلام آخر دين نزل من السماء، كان دخوله مصر ودخول مصر فيه حدثاً فريداً، فلقد كانت مصر بلداً للقبط تشبع أهلها بروح المسيحية السمحة ربما أكثر من أي أرض أخرى في ذلك الوقت، فكيف يقبل الأقباط بدين جديد بعد دين المسيح عيسى ابن مريم وأمه عليهما السلام ! بل إن كنيستهم أقدم من كنيسة الروم التي كانت تحكمهم، ورهبانيتهم هي أقدم رهبانيه عرفتها المسيحية شرقاً وغرباً. ولكن من حسن الطالع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد بشر بفتح مصر وقال: "فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمة ورحما"، فمنذ أن دخل الصحابة بالإسلام إلى مصر ما رأى أهلها إلا الخير والعدل والربانية الحقة علي أيديهم، فكلنا يعرف قصة القبطي الذي إشتكى ضرب إبن الحاكم المسلم له بالسوط لما سبقه، فما كان من عمر إلا إن رد له حقه وأمره بجلد إبن الأكرمين، وغير ذلك من أمثلة العدالة والرحمة التي تجسد روح الإسلام، فما كان من أهل مصر على مر السنين إلا إن دخل أكثرهم الإسلام طواعيةً ومحبة في هذا الدين دون إكراه بعد أن علموا أنه ودين المسيح قد خرجا من "مشكاة واحدة"، وإذا بمصر تصير داراً للإسلام كما كانت دارا للمسيحية، وأما من بقى على دينه فهو حر وله عهد وذمة، وما يصيبه أذى في حياته وكنيسته وأهله. هكذا كان المسلمون، وهكذا لابد أن يكونوا مرة أخرى.

ماذا نقول لله عز وجل يوم الدين في دم كل بريء مات أمام كنيسة الإسكندرية إن كان من قام بهذا القتل الغشوم مسلماً، وقد تبرأ الإسلام ممن يقتل الآخرين ظلماً وغدراً؟ هناك حقيقة نعلمها جميعاً ولابد أن تقال وتكرر، إن كل أعمال العنف والقتل والإرهاب، وكل أشكال الترويع والتهديد لأمن الناس في أي مكان في الأرض لا يمكن أبداً أن تنبت من تربة الإسلام أو تعاليم القرآن. فما أمر الإسلام إطلاقاً بأي قتل أو دمار ينزل بالناس فَزْعاً وهرجاً، فهذا يتنافى شكلاً ومضموناً مع كل مبادئ الإسلام الآمر بالدعوة لسبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، والبر والقسط إلى الآخرين. لقد أساء هؤلاء الجناة - ومن سبقوهم بجرائم كهذه في أي بلد آخر - للإسلام أشد إساءة، ونفروا غير المسلمين من هذا الدين أشد تنفير، وهو ما نزل إلا رحمة للعالمين، فكيف يدعي أحد أنه ينتمي للإسلام ثم يقتل في خلق الله هكذا؟

على الرغم من عظم المصاب وخطورة الحدث وتوابعه إلا أن من دواعي الأمل وذهاب الألم والتئام الكلْم مشاهدة مظاهر الإتحاد والإلتفاف التي جمعت بين معظم المصريين، مسلمين ومسيحين، وإتفاقهم على الإنتماء الحقيقي لمصر، فهذه هي الفطرة السليمة وخاصةً في وقت المحنة، فأي عاقل يعلم أن ذلك التفجير هو عمل إرهابي ظالم يقصد به إيذاء كل أهل مصر لا المسيحيين فقط، وضرب إستقرار البلد كلها في وقتٍ تعددت فيه المشاكل السياسية والإقتصادية.

الأمل أن تستمر حالة الوعي والسماحة الدينية والوحدة الوطنية تلك بين كل المصريين في هذا الوقت الحرج، وأن يلتفت الجميع إلى إصلاح أوضاع البلد على كافة مستوياتها بما فيها المشاكل الطائفية المتراكمة، فلقد تأخرت مصر كثيراً، وآن الأوان أن تتقدم مرة أخرى حتى يرى هذا الشعب حياةً كريمة. وأصبح لزاماً على أصحاب السلطة السياسية في البلد الإستفادة من تلك الحالة المصرية الفريدة من الإنتماء الجميل لمصر وإستخدامها كطاقة دافعة لإحداث إصلاح حقيقي يشمل رجل الشارع ورجل الدولة، والمسلم والمسيحي، والفقير والغني - يشمل كل المصريين وليس فقط النخبة .. يا سادة: إن لديكم شعب طيبٌ طيعٌ على عمومه، يمكنكم أن تحققوا به نهضة حقيقية إن صدقتم في حبكم لهذا البلد .. !

كلمة للأمن؛ اتقوا الله في المصريين، لا تظلموا أبناءكم من البسطاء ولا تهينوا العامة من الفقراء، لا تأخذوا من تلك الحادثة ذريعة للبطش بكل من يختلف معكم في الرأي فيما يتعلق بإصلاح البلد أو في غيرها، لا تجعلوا الأمن "خوفاً" عليهم، لا تكونوا أنتم والفقر والإرهاب عليهم، وعلي مصر، .. و"استوصوا بأهلها خيراً" .. هذا هوالإصلاح إن اردتم إصلاحاً.

أكرموا المصريين تكرم مصر، وأحيوا المصريين .. تحيا مصر.